كيف تحولت السياحة إلى أحد روافد الدخل بالمملكة؟
يعد قطاع السياحة في المملكة أحد القطاعات الرئيسية التي اعتمدت عليها لتحقيق رؤيتها التنموية 2030، وتضم منظومة السياحة كلًا من وزارة السياحة، وصندوق التنمية السياحي، والهيئة السعودية للسياحة، والهيئة السعودية للبحر الأحمر، وبرنامج الربط الجوي، ومجلس التنمية السياحي والتي أُسست كل منها وفقًا لأفضل المعايير العالمية، لتتكامل أدوارها لتحقيق طموحات ومستهدفات هذا القطاع الهام، ومساندته في النمو والازدهار.
نتائج سياحية جيدة
وقد نتج عن هذا التكامل حالة من الرواج الذي شهده هذا القطاع العام وهذا ليس مجرد كلام فقط بل فعل على الأرض، فخلال النصف الأول من عام 2024، بلغ عدد السياح الذين زاروا المملكة 60 مليون سائح أنفقوا خلالها 143 مليار ريال، حسب بيانات الوزارة.
وتهدف استراتيجية السياحة التنموية إلى جذب أكثر من 150 مليون سائح محلي ودولي بحلول 2030م؛ حيث حققت منهم المملكة خلال العام الماضي 109 ملايين سائح محلي ودولي، وهذا ما سينتج عنه رفع مساهمة السياحة في إجمالي الناتج المحلي إلى 10% بحلول 2030، وزيادة معدلات التوظيف من 650 ألف وظيفة تقريبًا في 2019 ليصل إلى 1.6 مليون وظيفة بحلول 2030م.
ولتحقيق هذا الهدف استهدفت وزارة السياحة تدريب 500 ألف شاب وشابة من السعوديين والسعوديات منذ 2019م، وتم تدريب أكثر من 100 ألف شاب وشابة عبر عدد من البرامج التدريبية خلال العام الماضي 2023م، من أبرزها برنامج “رواد السياحة 2″، كما تلقى ما يقارب 1500 شاب وشابة التدريب خارج المملكة خلال العام الماضي في أعرق الجامعات والمعاهد الدولية.
وبالفعل تجاوز عدد الوظائف في القطاع السياحي في المملكة أكثر من 925 ألف وظيفة خلال العام 2023م، وبلغت نسبة التوطين بالقطاع السياحي 26% خلال العام الماضي 2023، فيما بلغت نسبة التوطين في قطاع الضيافة 38% خلال العام الماضي 2023م، ونسبة التوطين في وكالات السفر 36% خلال العام الماضي 2023م.
كما وصل عدد الملتحقين في القطاع السياحي إلى 380 ألف ملتحق خلال العام الماضي 2023م، وبلغت نسبة السعوديات العاملات في القطاع السياحي 46% خلال العام الماضي 2023م، وتجاوز متوسط رواتب السعوديين والسعوديات العاملين في قطاع السياحة أكثر من 6.4 آلاف ريال خلال العام الماضي 2023م.
بدوره، قال الدكتور فواز كاسب العنزي؛ خبير تحقيق الأهداف الأممية للتنمية المستدامة. إن السعودية نجحت في تحويل السياحة إلى أحد روافد الدخل الاقتصادي في المملكة خلال السنوات الأخيرة، بفضل رؤية 2030 التي وضعتها القيادة السعودية.
تحول المملكة في السياحة
كما أضاف العنزي، في تصريحات خاصة لـ “الاقتصاد اليوم”، أنه يمكن تحليل هذا التحول من خلال عدة نقاط رئيسية:
تنويع مصادر الدخل: كان الهدف الأساسي لرؤية 2030 هو تنويع الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد على النفط. وهنا برزت السياحة كقطاع واعد قادر على توفير مصادر دخل مستدامة. من خلال فتح المملكة أمام السياحة الدولية عبر نظام التأشيرات السياحية الجديد. كما استطاعت السعودية جذب ملايين السياح المهتمين بالتعرف على الثقافة والتراث الغني للبلاد. ما ساهم في إدخال تدفقات مالية جديدة إلى الاقتصاد.
السياحة الدينية والتوسع في خدماتها: قطاع السياحة الدينية يعتبر من أهم ركائز الاقتصاد السياحي في المملكة. بينما تستقبل المملكة ملايين الحجاج والمعتمرين سنويًا. ومع التطوير المستمر للبنية التحتية في مكة المكرمة والمدينة المنورة وتوسعة الحرمين، زادت قدرة المملكة على استقبال عدد أكبر من الزوار. كما لم يساهم هذا التطور فقط في تحسين تجربة الزوار بل أيضًا في زيادة إيرادات الدولة. من قطاع السياحة الدينية، التي تشمل الحج والعمرة والأنشطة المرتبطة بهما.
تطوير السياحة الترفيهية والثقافية: إلى جانب السياحة الدينية، شهدت المملكة توسعًا في السياحة الترفيهية والثقافية من خلال إطلاق مبادرات مثل موسم الرياض وموسم جدة. اللذين يستضيفان فعاليات ترفيهية، ثقافية، وفنية تستقطب الزوار من داخل وخارج المملكة. وهذا التنوع في الأنشطة السياحية ساهم في تعزيز صورة المملكة كوجهة سياحية شاملة ومتكاملة.
المشاريع الكبرى والمستدامة: المشاريع العملاقة مثل نيوم والبحر الأحمر. تعكس الرؤية المستقبلية للسعودية في أن تصبح مركزًا عالميًا للسياحة الفاخرة والمستدامة. تلك المشاريع، التي تركز على السياحة البيئية والثقافية، تمثل نقلة نوعية في قطاع السياحة. مستهدفةً السائحين الراغبين في استكشاف الطبيعة الخلابة والبيئات البحرية في المملكة، إلى جانب تحقيق أهداف الاستدامة.
آليات المملكة لتطوير قطاع السياحة
ومن جانبه، قال الدكتور أحمد بانافع، الأستاذ بجامعة سان هوزيه في كاليفورنيا. إن المملكة العربية السعودية شهدت في السنوات الأخيرة تحولًا كبيرًا في قطاع السياحة. بينما أصبح هذا القطاع أحد أهم روافد الدخل الوطني، وارتبط هذا التحول بشكل وثيق بنهضة قطاع المطارات. التي لعبت دورًا محوريًا في تسهيل حركة السياح وزيادة الإقبال على المملكة.
كما أضاف بانافع، في تصريحات خاصة لـ “الاقتصاد اليوم”. أن هناك عدة أسباب أدت إلى تحول قطاع السياحة إلى رافد أساسي لاقتصاد المملكة:
رؤية المملكة 2030: تم تحديد أهمية تنويع مصادر الدخل والاعتماد على القطاعات غير النفطية في رؤية 2030. وكان قطاع السياحة أحد المحاور الأساسية. كما ركزت هذه الرؤية على جذب السياح وتعزيز مساهمة السياحة في الاقتصاد الوطني.
الاستثمارات الضخمة: شهدت المملكة استثمارات هائلة في تطوير البنية التحتية السياحية. بما في ذلك بناء فنادق، منتجعات، ومواقع أثرية وترفيهية عالمية، مثل “مشروع البحر الأحمر” و”نيوم”.
التسهيلات المقدمة للسياح: تم تبسيط إجراءات الحصول على التأشيرات بإطلاق التأشيرة السياحية الإلكترونية. وتوفير خدمات متكاملة للسياح، ما ساهم في جذب أعداد كبيرة من الزوار.
تنوع الخيارات السياحية: تقدم المملكة خيارات سياحية متنوعة تشمل السياحة الدينية، التاريخية، الترفيهية. والطبيعية، هذه الخيارات الجاذبة تدفع المزيد من السياح لاستكشاف المملكة.
الفعاليات والمهرجانات: تنظيم العديد من الفعاليات الثقافية والرياضية مثل “موسم الرياض” أسهم في تعزيز مكانة المملكة كوجهة سياحية.
مكانة على خريطة السياحة
وقال الدكتور محمد رشاد، أستاذ الاقتصاد بجامعة بني سويف، إن المملكة العربية السعودية استطاعت أن تحلق في آفاق جديدة في مجال السياحة، وأن تضع لنفسها مكانًا أساسيًا على خريطة السياحة العالمية من خلال خلق وتقديم منتجات سياحية جديدة، وزيادة الاستثمارات الموجهة لهذا الغرض؛ حيث لم يعد الأمر قاصرًا فقط على السياحة الدينية، بل امتد إلى روافد أخرى كالسياحة الترفيهية والثقافية، وكذلك سياحة الشواطئ وغيرها.
وأضاف رشاد، في تصريحات خاصة لـ”الاقتصاد اليوم”، أن المملكة عملت على الترويج الجيد لمعالمها ومنتجاتها السياحية من خلال المعارض الخارجية، وتقديم باقة متعددة من العروض الترويجية، وتنويع آليات الجذب من خلال استهداف الوصول إلى 100 مليون زيارة سياحية سنويًا بحلول عام 2030 لجذب سائحين جدد.
وتابع أستاذ الاقتصاد أن هذا الأمر لم يأتِ من فراغ ولكن نتاج تخطيط ممنهج نحو زيادة مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي من 3% إلى 10% عام 2030. من خلال إنفاق ما يقارب التريليون دولار على هذا القطاع الحيوي خلال عشر سنوات. وفي نفس الوقت تنويع مداخيل الاقتصاد، وتقليل اعتماديته تدريجيًا على قطاع النفط بشكل أساسي. ما يحمي الاقتصاد والموازنة العامة نسبيًا من تأثير صدمات تراجع أسعار النفط في أوقات التباطؤ الاقتصادي.
وأكمل: “استقبلت المملكة أكثر من 950 ألف سائح من الأسواق الأوروبية خلال العام 2023 بزيادة قدرها 65%. مقارنة بعام 2022، وهو ما يعكس الجهود المبذولة والموجهة لهذا الغرض. ويوضح إلى أي مدى يحظى قطاع السياحة بدعم غير مسبوق من قيادة المملكة”.