الاستثمار الصناعي في تحلية المياه.. جهود ومبادرات

تعمل المملكة العربية السعودية على اقتناص فرص استثمارية جديدة وقيّمة، من جهة، والعمل على تطوير وتعزيز البنية التحتية لديها، وإطلاق العديد من المشاريع التي تسهم في الدفع بالمجتمع قُدمًا وتلبية احتياجاته، ولعل الاستثمار الصناعي في تحلية المياه أحد أبرز الجوانب التي تتجلى فيها استراتيجية المملكة.
وتعمل السعودية على تدشين نوع من التعاون المثمر بين القطاعين العام والخاص؛ لتلبية المصالح المشتركة، وتحقيق الأهداف المنشودة، وفي هذا الإطار، وقّعت وزارة الصناعة والثروة المعدنية، مؤخرًا، مذكرة تفاهم مع المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة؛ بهدف تحقيق التعاون المستقبلي والمشترك بين الطرفين في عدد من المجالات.
وتهدف المذكرة إلى التعاون في عدد من المجالات؛ منها دعم الاستثمار الصناعي في قطاع تحلية المياه، وتقديم التدريب المتخصص من الأكاديمية السعودية للمياه لعدد من المهندسين ومنسوبي القطاع الصناعي، والمساهمة في مبادرة برنامج توطين حلول الصناعات المتقدمة، وتعزيز المحتوى المحلي، وتعظيم الفرص الاستثمارية في مجال الصناعة، حسب اختصاص الطرفين، والمشاركة في تطوير سياسة البيانات المفتوحة للمؤسسة، بالإضافة إلى مجالات أخرى، تضمن تبادل الخبرات والمعارف بين الطرفين.
وتسعى المذكرة، كذلك، إلى رفع التنسيق المشترك بين القطاعات الحكومية وبناء الشراكات الاستراتيجية؛ لتلبية المصالح المشتركة، وتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030؛ حيث تسعى وزارة الصناعة والثروة المعدنية إلى النهوض بقطاعي الصناعة والتعدين كخيارين استراتيجيين؛ لتنويع الاقتصاد الوطني، وتشجيع الاستثمارات الصناعية والتعدينية؛ من خلال توفير بيئة صناعية جاذبة تعزز من تنافسية القطاع الصناعي المحلي والدولي، وزيادة قيمة المحتوى المحلي ودعم المنتجات المُصنّعة في المملكة.
اقرأ أيضًا: فولكسفاغن أولًا بـ73.2 مليار دولار| أكبر صناع السيارات في أوروبا 2022
-
إنتاج المياه المحلاة
وتتصدر السعودية دول العالم بإنتاج تجاوز مليار وستة ملايين متر مكعب من المياه سنويًا بنسبة 18% من الإنتاج العالمي.
ولا تزال المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة في السعودية، تحافظ على مكانتها كأكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، بإنتاج بلغ (1006.6) مليون متر مكعب، منها (495.3) ملايين متر مكعب من محطات الساحل الشرقي بنسبة (49.2%)، و(511.3) مليون متر مكعب من محطات الساحل الغربي بنسبة (50.8%)، من إجمالي تصدير المؤسسة.
وبلغ حجم الطاقة الكهربائية المولدة في محطات التحلية البالغ عددها 27 محطة تحلية عاملة (24.884.807) ميجاوات في الساعة.
وتعد المملكة، المسؤولة عن حوالي خمس الإنتاج العالمي؛ إذ تتصدر العالم في حجم المياه المحلاة، التي تنتجها والتي تشكل 50% من استهلاكها؛ حيث تنتج حوالي 4 ملايين متر مكعب من المياه المحلاة يوميًا، مع اعتزامها استثمار حوالي 80 مليار دولار في مشاريع جديدة لتحلية المياه، على مدار السنوات العشر المقبلة.
تتصدر دول مجلس التعاون الخليجي العالم في مجال تحلية المياه؛ لامتلاكها القدرة على تحلية المياه بنسبة 81%؛ حيث تنتج حوالي 40% من إجمالي تحلية المياه في العالم.
وتحتل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، مكانة رائدة في هذا المجال.
اقرأ أيضًا: الاستعدادات النهائية لموسم الحج.. جهود واشتراطات
مبادرات عالمية
أطلقت السعودية، ممثلةً في المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، مؤخرًا، مبادرتين لدعم ريادة صناعة تحلية المياه عبر «الاستثمار التجاري لمياه الرجيع الملحي» و«توطين صناعة ونقل معرفة أغشية التناضح العكسي».
وبهذه المناسبة، كشف عبد الله العبد الكريم؛ محافظ المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، عن أعمال جارية متسارعة مع الجهات ذات العلاقة بهدف تعظيم الاستفادة من ريادة المملكة في صناعة التحلية وتوفير منتجات وطنية تدعم الناتج المحلي.
وأضاف أن توطين أغشية التناضح العكسي يسهم في زيادة نسبة المحتوى المحلي، وخلق الفرص الوظيفية، وهي إضافة لتأهيل وتمكين الكوادر الوطنية، ومن المتوقع أن يعود على الناتج المحلي الإجمالي لأكثر من 1.1 مليار ريال (293 مليون دولار)، خلال مدة الاتفاقية التي تتجاوز 8 أعوام.
وأكد أن المؤسسة تقوم بواجبها الوطني في إتاحة الابتكارات التي تملكها عبر ذراعها البحثية «معهد الأبحاث والابتكار» للجميع، بالإضافة إلى التقنيات العالمية الأخرى لدخول السوق المحلية.
في حين، نوه بأن منتج أغشية التناضح العكسي له سوق فاعلة داخل المملكة وهو الأقوى عالميًا، مبينًا أن المشروعات التي تطرحها المؤسسة مؤخرًا تحتاج إلى تكاتف المصنعين والمستثمرين وملاك التقنية لتحقيق معادلة فورية وجديرة بالاهتمام من الأطراف المعنية كافة.
وقال محافظ المؤسسة، خلال مؤتمر صحفي للكشف عن المبادرتين: إن صناعة التحلية واعدة في المنطقة وحكومة المملكة سخية في تبني نظم الإنتاج والنقل، وهي الأكبر عالميًا خلال الأعوام الأربعة السابقة، مؤكدًا أن مشاريع القطاع جديرة لدخول المصنّعين إلى هذه السوق المستقرة في الطلب، بالإضافة إلى المنتجات الثانوية وأن جميع هذه الممكنات متاحة للقطاع الخاص.
وبيّن أن المؤسسة ستتيح للقطاع الخاص مجالات أكبر للاستثمار في صناعة تحلية المياه في المملكة، مشيرًا إلى أن الوقت الحالي مناسب وبالإمكان عقد صفقات يستفيد منها جميع الأطراف.
وأفاد أن «تحلية المياه» تسعى من خلال هذه المشاريع إلى استدامة الإمداد والطلب على المنتجات المحلية وتوطين الصناعة وزيادة المحتوى المحلي، مؤكدًا في الوقت ذاته أنها فرصة تجارية تستحق العناية ودخول المستثمرين وملاك التقنية في العالم.
من جهته، قال المهندس سامي الحجيلان؛ نائب الرئيس التنفيذي للتطوير في هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية، إن توطين الصناعة ونقل المعرفة أحد الممكنات المحورية التي ستسهم في تحقيق الأهداف الوطنية التي وضعتها الرؤية لبناء اقتصاد صناعي متين، منوهًا بأنه مع صدور نظام المنافسات والمشتريات الحكومية الجديد أقر توطين الصناعة ونقل المعرفة كأسلوب شراء حكومي جديد تشرف عليه الهيئة.
وأضاف أن تفعيل هذا الأسلوب يعد نقلة نوعية وكذلك يعد تطويرًا في أعمال المشتريات الحكومية؛ حيث يستهدف تغطية الاحتياج الحكومي؛ من خلال توطين صناعة المنتجات ونقل معرفتها عبر توقيع اتفاقيات تشرف عليها الهيئة بين القطاعين الحكومي والخاص؛ مما يسهم في تغطية الاكتفاء الذاتي وبناء قدرات وطنية وتوليد الوظائف وتعزيز الميزان التجاري للدولة.
وأكد أن المملكة تعدّ من كبرى الدول التي تعمل على تقنية المياه، ويمثل هذا القطاع أهمية استراتيجية للسعودية.
وكشف عن إعداد دراسة جدوى تفصيلية لصناعة أغشية التناضح العكسي سابقًا بالشراكة مع المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة وهيئة كفاءة الإنفاق والمشروعات الحكومية ووزارة الاستثمار، حيث قُدمت إلى وزارة المالية التي وافقت على إتاحة هذه الفرصة أمام المستثمرين.
وأضاف الحجيلان: إن توطين أغشية التناضح العكسي يسهم في زيادة نسبة المحتوى المحلي وخلق الفرص الوظيفية، وهي إضافة لتأهيل وتمكين الكوادر الوطنية، وأنه من المتوقع أن يعود هذا القطاع على الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 1.100 مليار ريال (293 مليون دولار) خلال مدة الاتفاقية التي تتجاوز 8 أعوام.
اقرأ أيضًا: السعودة.. 10 مليارات ريال لدعم توطين الوظائف بالقطاع الخاص
مشاريع تحلية المياه في المملكة
ويرصد «الاقتصاد اليوم»، بعض مشاريع تحلية المياه في المملكة، وذلك على النحو التالي..
-
المحطة العائمة
دشنت السعودية المحطة العائمة الأولى لتحلية المياه، قرب ميناء الشقيق على الساحل الغربي للسعودية، ضمن حزمة مشاريع مائية لمنظومة وزارة البيئة والمياه والزراعة، التي تستهدف ضمان أمن الإمداد وتعزيز الأمن المائي في مناطق السعودية كافة.
ويأتي المشروع الجديد، في إطار التعاون بين المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة SWCC، عملاق صناعة التحلية في العالم، وشركة البحري، الرائدة عالميًا في مجال الخدمات اللوجستية والنقل؛ حيث سيتم _ وفقًا لهذا التعاون _ تطوير محطات عائمة لتحلية المياه لصالح المؤسسة، وتحت إشراف فريقها الفني من الكوادر الوطنية بالكامل.
وتم الأخذ بالاعتبار في التصميم أن يتم نقل البوارج بحسب احتياجات المناطق على مستوى السعودية.
وستسهم هذه المحطات في ضمان استمرارية وفرة المياه المحلاة بمستويات عالية، وباعتماد أفضل المعايير والأنظمة المحلية والعالمية المطبّقة؛ إذ تتمتع المحطة بقدرة إنتاجية تبلغ 50 ألف متر مكعب من المياه يوميًا.
وسيدعم المشروع تعزيز الابتكار وتوطين أحدث التقنيات، وتمكين المحتوى المحلي، وتوفير فرص عمل للشباب، بالإضافة إلى تحفيز قدرات القطاع الصناعي في المملكة وتعظيم مساهمته في القيمة المضافة الاجمالية، وجعله أكثر نشاطًا وتنافسية؛ حيث تسعى المؤسسة لتطوير مساهمتها عن طريق إحداث نقلة نوعية في المحتوى المحلي، وتشجيع الصناعات الوطنية وتعظيم مساهمة قطاع الأعمال في التنمية الاقتصادية.
-
رابغ 3
يعد مشروع محطة رابغ 3 لتحلية المياه، أكبر محطة تحلية مياه بتقنية التناضح العكسي، على مستوى العالم.
وتلبي محطة رابغ 3 لتحلية المياه، وفقًا لتصريحات المهندس عبد الرحمن بن عبد المحسن الفضلي؛ وزير البيئة والمياه والزراعة، احتياجات المياه النظيفة لنحو مليون وحدة سكنية في كل من مكة المكرمة وجدة.
وتضمن إمدادات مستدامة وموثوقة من المياه لمواطني ومقيمي المدينتين والقرى المجاورة، لا سيما خلال فترات ذروة الطلب في شهر رمضان المبارك وموسم الحج.
وتعد المحطة الأكبر من نوعها بتقنية التناضح العكسي على مستوى العالم، وبسعة إنتاجية تصل إلى 600 ألف متر مكعب من المياه المحلاة يوميًا، مسجلةً بذلك رقمًا قياسيًا عالميًا في موسوعة غينيس للأرقام القياسية، لكونها أول محطة تحقق في التشغيل التجاري هذه السعة الإنتاجية غير المسبوقة عالميًا.
وتبلغ التكلفة الاستثمارية للمحطة (2.6) مليار ريال سعودي (750 مليون دولار أمريكي). بتكلفة استثمارية تبلغ 2.6 مليار ريال سعودي (750 مليون دولار أمريكي).
ويأتي هذا المشروع نتاجًا لما تحققه الرؤية الاستراتيجية الطموحة 2030 على أرض الواقع من نتائج فعالة للنهوض بقطاع تحلية المياه في المملكة، كذلك بفضل جهود الحكومة الرشيدة نحو ترسيخ الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص وتمكينها من تحقيق مستهدفات الرؤية وتطلعاتها من خلال مشاريع ريادية سباقة من حيث الحجم والتكلفة والكفاءة في التشغيل، والحفاظ على البيئة، والتي دفعت العالم أجمع لمراقبتها والنظر لها نظرة تقدير وإشادة.
وتمتاز محطة رابغ 3 لتحلية المياه، بأعلى مستوى من الكفاءة التشغيلية، إلى جانب كونها المحطة الأكثر حفاظًا على البيئة على مستوى العالم؛ نظرًا لانخفاض استهلاك الطاقة الكهربائية خلال عملياتها اليومية، مقارنةً بغيرها من محطات تحلية المياه، وتسجيلها لأقل معدل ضوضاء، إلى جانب تسجيل أعلى نسبة لتحلية المياه، فضلًا عن توظيف أحدث حلول الذكاء الاصطناعي في العمليات التشغيلية.
-
محطة الشعيبة لتنمية المياه
ينتج مشروع التوسعة الثانية لمحطة الشعيبة 3، حوالي 250 مترًا مكعبًا يوميًا من مياه البحر المحلاة بتقنية التناضح العكسي.
وتقع المحطة بجوار مشروع محطة الشعيبة 3 المستقل لإنتاج المياه والكهرباء ومشروع توسعة الشعيبة 3 لإنتاج المياه المحلاة. والمملوك من قبل شركة أكوا باور حاليًا بنسبة 100%.
وانطلاقًا من الطلب المتنامي على المياه في المنطقة الغربية في المملكة العربية السعودية، سيسهم مشروع التوسعة الثانية لمحطة الشعيبة المستقل لإنتاج المياه المحلاة، في تلبية الاحتياجات المتزايدة من خلال إنتاج 250,000 متر مكعب من المياه يوميًا.
يشار إلى أن المحطة قد سجلت وفورات عالية في كفاءة الطاقة، تجاوزت الشروط التعاقدية الملزمة للمشروع، فضلًا عن خلق وفورات تتماشى على المدى البعيد مع رؤية المملكة 2030.
اقرأ أيضًا:
«المركزي السعودي»: ارتفاع المبيعات عبر نقاط البيع إلى 11.17 مليار ريال
«معادن».. من تحقيق الاستدامة إلى الحد من انبعاثات الكربون
«المركزي السعودي»: الأصول الاحتياطية في الخارج ترتفع إلى 1693.8 مليار ريال
الموانئ السعودية: ارتفاع حجم البضائع المناولة بنسبة 23.70%
«وزارة السياحة» تُنشئ ملفات رقمية غير قابلة للاستبدال
التعليقات مغلقة.