جائحة كورونا تخنق سلاسل التوريد العالمية وتُزيد التضخم العالمي
تمثل اختناقات سلاسل التوريد والإمداد العالمية بسبب جائحة كورونا، واحدة من أهم الموضوعات المطروحة للنقاش في الاقتصاد العالمي؛ إذ تُعد بمثابة رياح معاكسة للتعافي الاقتصادي.
المملكة ترفع الإجراءات الاحترازية لمواجهة جائحة كورونا
جائحة كورونا
كما تعيق جائحة كورونا القدرة على تلبية الطلب المرتفع، وقد تحول دون تلبيته بشكل كامل، في المستقبل القريب؛ ما يؤدي أيضًا إلى ارتفاع التضخم العالمي، والذي يضع بدوره تحديات أمام البنوك المركزية فيما يتعلق بقرارات السياسة النقدية.
الاقتصاد الدائري أكبر تحديات قطاع الطاقة خلال جائحة كورونا
جاءت هذه الأزمة نتيجة لجائحة كورونا ومتحوراته، فقد تعافى الاقتصاد العالمي، على الرغم من ظهور متحور “أوميكرون”، مدفوعًا بصفة رئيسة بالتحفيز المالي والنقدي غير المسبوق، لا سيما في الولايات المتحدة؛ ما أطلق موجة من الارتفاع الحاد في الطلب الاستهلاكي، ولكن مراكز التصنيع وسلاسل الإمداد والتوريد العالمية لم تتمكن من مواكبة هذا الارتفاع القوي في الطلب؛ لذلك حدثت اختناقات كبيرة في سلاسل الإمداد أدت إلى ارتفاع تكاليف البضائع، وتأخر أوقات تسليمها.
تحديات البلدان النامية.
وفي هذا السياق، قالت نغوزي أوكونجو إيويالا؛ المدير العام لمنظمة التجارة العالمية، “إن الأزمة في سلاسل التوريد العالمية ستستمر لفترة أطول مما كان يُعتقد، وقد تؤدي إلى تهميش البلدان النامية”.
وأضافت أن تكاليف المعاملات المرتفعة تخاطر بالضغط على البلدان الفقيرة؛ حتى بعد حل بعض مشاكل سلسلة التوريد، قائلةً- في اجتماع نظمته مجموعة “جونو أفريغكيو ميديا غروب-: “اعتقدنا أن اضطرابات سلسلة التوريد ستكون مؤقتة؛ فما زلنا نعتقد ذلك، لكن حلها يستغرق وقتًا أطول مما توقعنا، ربما بحلول نهاية هذا العام أو العام المقبل”.
ولفتت إلى أن ضغوط سلسلة التوريد ستستمر لعدة أشهر، وكان يجب أن تكون “مؤقتة” على أن يتم حلها قبل نهاية عام 2022، ولكن “أوميكرون” أدى إلى إغلاق بعض خطوط الإنتاج والنقل في الصين، وتقييد السفر العالمي؛ ما أجبر على تأجيل الاجتماع الوزاري لمنظمة التجارة العالمية مع تراجع التوقعات بالعودة إلى الحياة الطبيعية.
خفض الطلب على السلع
وأضافت أوكونجو إيويالا:” يجب أن تقل ضغوط الطلب التي تسببت في تأخير الشحن خلال هذا العام، خصوصًا مع الضغوط التضخمية وتراجع دعم إجراءات المالية المتعلقة بالوباء”.
وأشارت إلى أن شركات الشحن تحقق أرباحًا غير مسبوقة، مع وجود مشاكل هيكلية في موانئ الساحل الغربي للولايات المتحدة، على سبيل المثال، كما توجد مشاكل تتعلق بكون بعض البلدان النامية في النهاية الطويلة للنقل البحري؛ ما يعكس مخاوف البلدان الأفقر من تعرضها لخطر الانقطاع عن سلاسل التوريد الطويلة إذا ظلت تكاليف النقل مرتفعة.
وتهدف قمة منظمة التجارة العالمية، التي ستنعقد خلال مارس الحالي، إلى الجمع بين شركات الشحن واللوجيستيات والتجارة مع وزراء وخبراء من المنظمات الدولية لمعرفة التحسينات التي يمكن إجراؤها في سلسلة الخدمات اللوجستية؛ إذ أُسس هذا التجمع على غرار قمة منظمة التجارة العالمية في العام الماضي، والتي جمعت شركات الأدوية وعلماء الأوبئة وخبراء الصحة والناشطين لتسريع إنتاج اللقاح وتسليمه.
الحلول والمواجهة
تشير دراسة أعدّتها مؤسسة “ماكينزي أند كومباني” إلى أن الاستجابة الكاملة للطلب تستدعي قيام قادة سلاسل التوريد باتخاذ إجراءات سريعة ومعالجة لبعض القضايا، مع خلق شفافية على جميع مستويات سلاسل التوريد؛ بتحديد مصادر التوريد ومصادرها البديلة، علاوة على تقدير المخزون المتوافر من المنتجات واستخدامه كوسيلة لضمان استمرار الإنتاج.
سلوكيات الشراء
وتؤكد الدراسة على ضرورة إجراء تقييم للطلب من قبل المستهلك النهائي، ودراسة سلوكيات الشراء لديه؛ لأنه عادة في الأزمات الطلب على منتجات معينة قد يتغير؛ ما يخلق صعوبة في تقديره؛ وبالتالي مناقشة النتيجة مع فريق المبيعات؛ إذ يمكن للقادة الاستعانة بقنوات التواصل الاجتماعي وقاعدة البيانات المتوافرة لتقدير الطلب.
سلامة الموظفين
وينبغي على قادة التوريد تحسين القدرة على الإنتاج والتوزيع؛ باتخاذ إجراءات لضمان سلامة الموظفين؛ مثل توفير معدات الحماية الشخصية، ودراسة خيار العمل عن بُعد للتخفيف من خطر العدوى بكورونا، وتحديد قدرة الشركة اللوجيستية ومرونتها في تسليم المنتجات بالسرعة المطلوبة؛ إذ يمكن تعاونها مع شركاء استراتيجيين لزيادة قدراتها بأقل تكلفة.
إن تحديد المخاطر المباشرة لسلسلة التوريد ورصد نقاط الضعف فيها، وفق “ماكينزي” يسمح للقادة بوضع استراتيجية توريد مرنة للمستقبل، تعزز التعاون بين الموردين لضمان استمرار تأمين موارد التموين للمستهلكين.
تأمين الاحتياجات الغذائية
ويجب – وفق “ماكينزي”- أن تكون معالجة المشاكل التي تواجه شركات سلاسل التوريد، خاصةً السلع الاستراتيجية التموينية- أولوية، وأن تتمحور المهام بعد انحسار الجائحة حول تعزيز قدرات سلسلة التوريد؛ لتكون الشركات أكثر استعدادًا للخروج من أزمات مماثلة مستقبلًا إلى حين معالجة المشكلة عالميًا، مع قيام المستهلكين بتأمين حاجاتهم الغذائية لمدة شهر على الأقل، مع عدم التهافت على المتاجر وتخزين كميات كبيرة؛ لأن الدول بأجمعها تملك احتياطات كافية ومخزونًا استراتيجيًا يغطي احتياجات المستهلكين لمدة كافية.
الأزمة وتحدياتها في السعودية
أكد أسامة بن عبدالعزيز الزامل؛ نائب وزير الصناعة والثروة المعدنية، خلال جلسة نقاش بعنوان “تواصل من أجل التعاون: إحداث ثورة في شبكات التوريد”، ضمن أعمال القمة العالمية للصناعة والتصنيع (GMIS) التي أقيمت بالإمارات، أن المملكة لن تتساهل في الصحة والأمان والأمن الغذائي.
وأضاف أن السعودية عملت على تحقيق ذلك؛ بتسخير الموارد والشبكات الرقمية لديها لنجاح الشبكات التعاونية الرقمية وسلاسل التوريد، لافتًا إلى أن المملكة تغلبت بنجاح على جائحة كورونا وقللت من تأثيرها؛ لأن عمل الجهات الحكومية عملت بانسجام لاحتواء الجائحة، علاوة على موثوقية سلاسل التوريد لديها، ومرونة قطاعها الصناعي وقدرتها على الاستجابة السريعة للأزمة ورفع قدراتها الإنتاجية لتوفير المنتجات اللازمة، وتعزيز قدرات إنتاج الأغذية والمشروبات، ودعم الإنتاج الزراعي والمعدني الحديث.
عودة الوضع الطبيعي
ومن جانبه، شدد يوسف بن عبد الله البنيان؛ نائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة سابك، على نجاح الشركة في تخفيف آثار أزمة سلاسل الإمداد العالمية؛ بفضل نموذج عملها على مستوى العالم والعقود مع بواخر الشحن ومزودي خدمة سلاسل الإمدادات عبر العالم، إضافة إلى تواجد الشركة في المناطق الرئيسة، وقربها من عملائها؛ ما خفف من التكلفة.
وأوضح أن الزيادة كانت تتراوح بين 50 و80 مليون دولار تقريبًا خلال الفترة الماضية، لكنها تعد بسيطة مقارنة بالزيادة في بعض سلاسل الإمداد التي فاقت 200 %، متوقعًا عودة الوضع الطبيعي في سلاسل الإمدادات بنهاية 2022.
التغلب على متحور كورونا
ومن جانبه، قال إبراهيم بن محمد القحطاني؛ المستشار الجمركي واللوجيستي، لمجلة الاقتصاد اليوم، إن كافة الجهات الحكومية المعنية تنبأت مبكرًا بهذه الأزمة، وأعدت فرق عمل على مستوى عال لإدارة المخاطر وخاصة في قطاعي الغذاء والدواء.
وعي المستهلك النهائي
وأضاف أنه كان هناك تناغم بين الشركات الوطنية العاملة في القطاع اللوجستي مثل شركة بحري لخدمات الشحن البحري التي سخرت كثيرًا من سفنها لتأمين الاحتياجات الضرورية من غذاء ودواء في ظل أزمة عالمية تأثرت بها كافة الشركات والمؤسسات الدولية، وأيضا شركة سال لخدمات الشحن الجوي التي أصبحت الناقل الوحيد المتحرك في ظل عجز أغلب الشركات العالمية عن تأمين رحلات مباشرة للمملكة ولعدة جهات دولية، لافتًا إلى أن الشيء الأهم هو وجود وعي لدى المستهلك النهائي، واعتماده على المنتجات المحلية.
تغيير أنماط المستهلكين
وفيما يتعلق بتأثير الأزمة على تغيير أنماط المستهلكين في المملكة، قال إبراهيم بن محمد القحطاني؛ المستشار الجمركي واللوجيستي: ” إن أزمة كورونا أثرت في سلوك البشر في كافة دول العالم؛ فقد رأينا تغيرًا كاملًا في حياة الناس بدأ من أداء الأعمال وصولًا إلى طريقة لباسهم وأكلهم”.
وأضاف: “ما نراه من تحول إيجابي من اعتماد الناس على البساطة في كل شيء، بدلًا من التكلف، والتركيز على الأساسيات بدلًا من الكماليات قد يؤدي إلى اختفاء كثير من الأنشطة التجارية المرتبطة بتجمعات البشر؛ مثل صالات الأفراح واتجاههم إلى الحفلات الخاصة والمناسبات العائلية، وكذلك فيما يخص التعليم عن بُعد والعمل عن بُعد.
الأسعار
وأوضح القحطاني، أن أزمة الاختناق في سلاسل الإمداد بدأت مبكرًا عام 2020 ووصلت لذروتها عام 2021؛ لعدة عوامل منها مشاكل الإنتاج في أكبر بلد مصدر للعالم وهو الصين، وقلة السفن الجاهزة للإبحار؛ ما أدى إلى رفع أسعار الشحن؛ وبالتالي ارتفاع التكلفة على المستهلك النهائي.
وتابع: ” أرى أن الأسعار ستبقى مرتفعة حتى عام 2024 كما تنبأت أغلب التقارير العالمية، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف النقل البري بعد ارتفاع سعر الديزل؛ حيث يتوقع زيادة تكلفة النقل البري بنحو 25 % وتأثر المنتج النهائي.
أكثر السلع تضررًا
وأوضح القحطاني، أن السلع المرتبطة بالشحن- الدولي أو النقل بري- ستكون معرضة للارتفاع، لافتًا إلى أنه كلما زادت مدة نقل المنتج زادت تكلفته وخاصة في المنتجات المستوردة من الصين؛ مثل مواد البناء والسباكة والكهرباء أجهزة هاتف جوال، وأجهزة حاسب محمول، وأجهزة تكييف هواء، وآلات لاستقبال وإرسال الصوت، وإطارات الحافلات؛ لارتفاع تكلفة الشحن من الصين مقارنة بباقي دول العالم.
التعليقات مغلقة.