الحرب الروسية الأوكرانية واقتصاد الدول العربية.. التداعيات خارج القارة
خلّفت الحرب الروسية الأوكرانية آثارًا وخيمة على كل دول العالم تقريبًا، ذلك لأنه لا يعيش أحد بمعزل عن الآخرين، فالعالم أمسى، بفعل مفاعيل العولمة وثورة الاتصالات والمواصلات، قرية صغيرة، وبالتالي فإن ما يحدث في أقصى جنوب الأرض يؤثر في أقصى شمالها.
الحرب الروسية الأوكرانية
يرى البعض، على الرغم من ذلك، أن هناك بعض الآثار الإيجابية لهذه الحرب، لا سيما وأن روسيا ستخلي الساحة فيما يتعلق بتصدير النفط والغاز على سبيل المثال، ومن ثم ستترك المجال لمنافسيها الآخرين، وهو الأمر الذي قد ترغمها عليه العقوبات الاقتصادية التي فرضتها عليها أوروبا.
ويذهب آخرون إلى أن هذه الحرب الحالية، قد تدفع باتجاه إيجابي مغاير آخر، وهو عمل بعض الدول على تحقيق الاكتفاء الذاتي، أو، وهذا أضعف الإيمان، تدشين وتعزيز التعاون فيما بين الدول المتقاربة جغرافيًا وتاريخيًا، مثلما قد نرى ما يحدث مؤخرًا بين السعودية ومصر، خاصة بعد زيارة الرئيس المصري الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية، ومناقشة تداعيات الحرب على البلدين، وعلى المنطقة ككل.
اقرأ أيضًا: التحول الأخضر في الوطن العربي|ضرورة أججتها الحرب الروسية الأوكرانية
الآثار والتداعيات الاقتصادية
لا تحتل أوكرانيا مرتبة متقدمة في اقتصادات العالم؛ إذ تأتي في المرتبة المرتبة 56، وعلى الرغم من ذلك، فإن الحرب الجارية على أرضها الآن ستلقي بظلالها بكل تأكيد على الاقتصاد العالمي.
تعتبر أوكرانيا إحدى أهم الدول المصدرة للمنتجات الزراعية في العالم، وتحتل المساحات الزراعية أكثر من ثلثي مساحتاه، وتبلغ صادراتها من الذرة أكثر من 4.8 مليار دولار، وزيت زهرة الشمس 3.8 مليار دولار، والقمح 3.11 مليار دولار، أي ما مجموعه 11.7 مليار دولار.
وتشكل أوكرانيا، التي تلقب بـ«سلة خبز أوروبا» عبثًا، وتشكل 12% من إنتاج القمح عالميًا، و16% من إنتاج الذرة، و18% من إنتاج الشعير.
وتعد روسيا والصين وألمانيا وبولندا وإيطاليا، أبرز الشركاء التجاريين لأوكرانيا، إلا أن العديد من الدول العربية لديها، كذلك، تبادل تجاري مع أوكرانيا، فما نسبته 12% من صادراتها تذهب لهذه الدول.
واردات وصادرات
تتمتع أوكرانيا بتادل تجاري مع 18 دولة عربية، وقد بلغت قيمة هذا التبادل التجاري نحو 6.3 مليار دولار في عام 2020؛ حيث تشكل الواردات من أوكرانيا ما نسبته 92 % من هذا التبادل، فيما لا تزيد الصادرات العربية لأوكرانيا على 450 مليون دولار.
وتعد مصر والسعودية والعراق والإمارات والمغرب وتونس، أبرز الدول ذات التبادل التجاري مع أوكرانيا بمجموع 4.5 مليار دولار لهذه الدول الست.
وتمثل مصر الدولة الأولى في الواردات الأوكرانية بأكثر من 1.6 مليار دولار، ثلثاها من الذرة والقمح. وتأتي السعودية في المرتبة الثانية في الشراكات التجارية العربية الأوكرانية، مستوردة ما قيمته 709 ملايين دولار من أوكرانيا، معظمها من اللحوم والشعير والمعادن.
وتبدو مصر في مقدمة الدول التي قد تتأثر من الحرب على أوكرانيا، فهي تأتي في المرتبة السادسة من ناحية وجهة الصادرات الأوكرانية بعد روسيا والصين وألمانيا وبولندا وإيطاليا، وتستورد مصر، الدولة الأولى المستوردة للقمح في العالم، نحو 15 % من احتياجها من القمح من أوكرانيا، و55% من روسيا (أي ما مجموعه 70% من طرفي الحرب)؛ مما قد يعرض أمنها الغذائي للخطر في حال استمرت الحرب على أوكرانيا، وفُرضت عقوبات اقتصادية على روسيا. إضافة إلى ذلك، فإن مصر تستورد 34% من احتياجها من الذرة من أوكرانيا بقيمة تزيد على 500 مليون دولار سنويًا.
اقرأ أيضًا: الحرب الروسية الأوكرانية| ثروات الأمريكيين في قطاع الطاقة تقفز 10%
الأمن الغذائي والحرب الروسية الأوكرانية
يعتبر الأمن الغذائي واحدًا من الملفات الأكثر خطورة، والتي تحظى بنقاش واسع هذه الأيام، لا سيما بعد تفاقم الأمور بين روسيا وأوكرانيا، والوصول إلى الصدام العسكري، خاصة وأن روسيا أول مصدر عالمي للقمح، كما أن أوكرانيا التي تحتل المرتبة الرابعة دوليًا في تصدير القمح.
وسيؤدي النزاع بين البلدين تلقائيًا إلى وقف الحركة التجارية مع الخارج؛ نظرًا لظروف الحرب الجارية الآن على الأراضي الأوكرانية، وأيضًا بسبب فرض عقوبات على الصادرات الروسية.
ويتوقع أن تتسب هذه الحرب في أزمة غذائية في عدة بلدان عربية، تستورد عادة الحبوب، وخاصة القمح، من روسيا وأوكرانيا، رغم أن لجوء هذه الدول العربية إلى بلدان أخرى لاستيراد القمح سيزيد من رفع أسعارها؛ وهو ما سيضاعف من المعاناة المعيشية في هذه الدول ويهدد أمنها الغذائي.
وتستورد الدول العربية مجتمعة 60% من احتياجاتها للحبوب من روسيا وأوكرانيا إضافة إلى فرنسا ورومانيا. لكن لروسيا وأوكرانيا ثقل دولي خاص في تصدير الحبوب إلى العالم العربي؛ نظرًا لسعرها المنخفض في البلدين على حد سواء.
وتفيد الأرقام أن أوكرانيا، رابع أكبر مصدر للقمح وللذرة الصفراء على مستوى العالم، صدرت وحدها 17% من كمية الذرة والشعير التي سوقت للتجارة العالمية في 2020، 40 % منها إلى دول عربية، فيما تعتبر روسيا مصدرًا رئيسيًا للقمح إلى مصر.
وحذر معهد الشرق الأوسط للأبحاث، من أنه إذا عطّلت الحرب إمدادات القمح للعالم العربي الذي يعتمد بشدة على الواردات لتوفير غذائه، فقد تؤدي الأزمة إلى مظاهرات جديدة وعدم استقرار في دول عدة.
قطاع الأغذية والمطاعم
وعلى الرغم من هذه التوقعات بالآثار السلبية التي يمكن أن تخلّفها الحرب، فقد قالت نورا فرحات؛ عضو الغرفة التجارية بالقاهرة، المدير التنفيذي لمجموعة فرحات للأغذية والمطاعم: إن السوق المصرية سوق واعدة، كما أن قطاع الأغذية والمطاعم، استعاد عافيته بشكل كامل مع التعافي من جائحة كورونا، خصوصًا وأن تأثيره كان محدودًا خلال جائحة كورونا.
وأضافت نورا فرحات، في تصريحات صحفية، أن أزمة روسيا وأوكرانيا لم تؤثر في قطاع المطاعم حتى الآن، ولم تحدث أي زيادات، لافتة إلى أن الأسعار قد ترتفع إذا رفع الموردون الأسعار، بسبب الأزمة الحالية.
السياحة
لا تتوقف آثار الحرب الروسية الأوكرانية على الغذاء وواردات السلع فحسب، وإنما هناك السياحة أيضًا؛ إذ تستضيف إمارة دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة أعدادًا كبيرة من السائحين الروس سنويًا.
وكانت دبي، في عام 2021، الوجهة المفضلة لـ6% (600,000 زائر) من السائحين القادمين من روسيا، ويأتي ترتيبها بعد مصر بنسبة 10% (مليون)، وتركيا بنسبة 45% (4,7 مليون)، وفقًا للجمعية الروسية لمنظمي الرحلات السياحية.
ويرجح أن تسفر الحرب الروسية الأوكرانية عن انخفاض في عدد الزوار الروس، وخاصة إذا طالت المرحلة العسكرية للحرب، وكذلك تعليق عمل المزيد من البنوك الروسية على نظام سويفت للمراسلات بين البنوك، والذي يسهل عمليات الشراء الدولية.
وعملت شركة طيران الإمارات في دبي وشركات الطيران الشريكة، نظرًا للمخاوف بشأن سلامة المجال الجوي الروسي والأوكراني والبيلاروسي، على تعليق رحلاتها بالفعل إلى العديد من المدن الروسية.
وسيتأثر كذلك الإنفاق السياحي لكل زائر روسي؛ تماشيًا مع انخفاض التدفقات السياحية وتدهور سعر صرف الروبل مقابل الدولار. وذلك، وفقًا لدراسة أجرتها فيزا (Visa)، لأن متوسط السائحين الروس يميلون إلى الإنفاق أكثر من نظرائهم الأوروبيين والمكوث لفترات طويلة.
ويتوقع أن تتعرض السياحة في دبي لأثر أكبر من تركيا أو مصر؛ نظرًا لاعتماد الأولى على إيرادات السياحة التي أنتجت ما يقل قليلًا عن خُمس إجمالي ناتجها المحلي قبل جائحة فيروس كورونا. ومع الانخفاض الكبير في تدفقات السياحة الصينية الوافدة إلى دبي بسبب قيود السفر المتعلقة بفيروس كورونا في الصين، أصبحت روسيا أكثر أهمية كمصدر سوق للزوار.
اقرأ أيضًا: الحرب الروسية الأوكرانية| فرنسا تجمّد أصولًا روسية بقيمة 22 مليار يورو
النفط والغاز
دفعت الحرب في أوكرانيا سعر النفط الخام، إلى أكثر من 100 دولار للبرميل، ومن الممكن أن يرتفع أكثر بالنظر لحقيقة أن روسيا، التي تستأثر بـ 12,5% و9,6% من الصادرات العالمية من النفط الخام والبترول المكرر، على التوالي، لم تتضرر بعد من عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وقدر أشار آدم توز؛ من جامعة كولومبيا، إلى أن روسيا دولة نفطية استراتيجية، ومن الممكن أن يتسبب حجمها في أسواق الطاقة العالمية بإحداث آثار سلبية على الكثير من الدول.
وستضيف كل زيادة في سعر النفط بمقدار 10 دولارات للبرميل حوالي 65 مليار دولار إلى عائدات تصدير النفط لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وفقًا لتقديرات بنك HSBC في مذكرة في فبراير.
وسيؤدي وصول سعر النفط إلى 100 دولار للبرميل إلى فائض في الميزانية والحسابات الجارية بقيمة 10% و15% على التوالي، من إجمالي الناتج المحلي لدول المجلس.
من ناحية أخرى، سيفضي ارتفاع أسعار الطاقة على مستوى العالم لارتفاع أسعار السلع التي تحتاجها دول الخليج المعتمدة على الاستيراد، بما في ذلك الأسمدة والمواد الغذائية والسلع الاستهلاكية والأدوية ومحولات الطاقة الشمسية.
قد تكون قطر هي الرابح لأن التوسع المستمر في قدراتها على إنتاج الغاز الطبيعي المسال قد يترجم إلى صادرات تحل محل بعض مبيعات الغاز الروسي في أوروبا بحلول منتصف عقد العشرينيات من هذا القرن. قد تجد دول الخليج، مثل عُمان والسعودية والإمارات، القادرة على تنفيذ مشاريع الطاقة الهيدروجينية الخضراء والمصادقة عليها، عملاء في أوروبا يتقبلون هذه الطاقة، ويحرصون على التقليل من مدخلات الهيدروجين الأخضر من روسيا، إلى أدنى حد ممكن، في الاستخدامات المختلفة، مثل المَركبات والتدفئة والشحن.
في هذا السياق، قال رجب الإسماعيل؛ الأستاذ في كلية الإدارة والإقتصاد بجامعة قطر: إن هذه الحرب قد تنطوي على فائدة ما لدول مجلس التعاون الخليجي؛ إذ أن الحرب الروسية الأوكرانية أدت إلى رفع أسعار الطاقة، وهو ما قد يعود بالنفع على دول مجلس التعاون التي تعتمد، بشكل كبير، في موزاناتها على الطاقة، مشيرًا إلى أن سعر النفط، هذه الفترة، عادل إلى حد بعيد، وقد تضاعفت مدخولات بعض الدول الخليجية والنفطية عمومًا.
وأضاف أنه من المتوقع أن تظل أسعار الغاز على ارتفاع لفترة طويلة، لا سيما وأن روسيا من أكبر مصدري الغاز خاصة في أوروبا، موضحًا أن هذه المعطيات تعطي الغاز القطري فرصة للزيادة والتوسع في الإنتاج.
من جهته، قال عبد العزيز العقيل؛ الخبير الاقتصادي السعودي، في لقاء تليفزيوني: إنه من الصعب تحديد السعر العادل لبرميل النفط في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، موضحًا أن هناك الكثير من الظروف والعوامل الاقتصادية الكبرى في هذه الفترة.
وأضاف أن جائحة كورونا، بحد ذاتها، أحدثت الكثير من المتغيرات على الصعيد الاقتصادي، تلك التغيرات التي ترتبط بشكل أساسي، بالمتغيرات الاقتصادية الكبرى (MacroEconomics) وترتبط أيضًا بالسلع والشراكات البنكية والائتمانية المتعلقة بالصناعة النفطية وصناعة الطاقة إجمالًا.
الألومونيوم
ويأتي إنتاج الألومنيوم أيضًا إلى الساحة عندما نتحدث عن آثار الحرب الجارية حاليًا، لا سيما وأن روسيا والإمارات كانتا ثاني وسادس أكبر مصادر تصدير الألمنيوم إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2019 على التوالي.
ويرجح أن تؤدي العقوبات الروسية، مهما كانت الاحتمالية ضئيلة، إلى أن تعمل على تنشيط البحث عن خيارات غير روسية.
وتستفيد على الفور كل من شركة الإمارات العالمية للألمنيوم وشركة ألمنيوم البحرين ALBA، اللتين تعتمدان على الاتحاد الأوروبي في صادراتهما بنسبة 22% و12% على التوالي – من ارتفاع أسعار الألمنيوم، على الرغم من أن افتقارهما حاليًا للقدرات الاحتياطية يحول دون زيادة المبيعات. ومع ذلك، على المدى المتوسط، قد تكون زيادة حصتهما في السوق من الألمنيوم الأخضر مربحة ومجدية اقتصاديًا.
اقرأ أيضًا:
الحرب الروسية الأوكرانية|أسعار البنزين تسجّل مستويات غير مسبوقة في الولايات المتحدة
الحرب الروسية الأوكرانية| إيطاليا تحتجز أكبر يخت في العالم
الحرب الروسية الأوكرانية|أسعار الغاز تسجل مستويات قياسية في أوروبا
الحرب الروسية الأوكرانية|وزيرة الخزانة الأمريكية تدعو لفرض المزيد من العقوبات على روسيا
الحرب الروسية الأوكرانية|eBay توقف تسليم الطلبات في روسيا وأوكرانيا
التعليقات مغلقة.