تزايد مبيعات السندات يهدد استقرار الأسواق العالمية
تزايدت وتيرة عمليات البيع في أسواق السندات العالمية، مما دفع العائدات إلى أعلى مستوى منذ أكثر من عشر سنوات، حيث يستعد المتداولون لفترة طويلة من السياسة النقدية المتشددة، الأمر الذي أثار تقلبات حادة في الأسواق المالية وجدد المخاوف بشأن الركود الاقتصادي.
قد يعجبك.. بقيمة 48 مليون دولار.. كونتكت تصدر سندات توريق لمحفظة التمويل الاستهلاكي
وبات المستثمرون يطالبون بعائدات أعلى من أي وقت مضى للاحتفاظ بالديون طويلة الأجل بعد أن أوضحت البنوك المركزية الكبرى. أنها من غير المرجح أن تقوم بتخفيف السياسة في أي وقت قريب.
كما أثرت المخاوف بشأن زيادة إصدارات سندات الخزانة لتمويل العجز المتضخم في الميزانية على الأوراق المالية الأطول أمدا.
عائد السندات العالمية
بلغ العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل 30 عاما 5% للمرة الأولى منذ عام 2007. بينما ارتفع العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات أعلى 4.88% خلال الأسبوع الماضي. وهو أعلى مستوى منذ 16 عامًا. في حين شهدت أسعار السندات الأمريكية مستحقة السداد بعد 10 سنوات تراجعًا بنسبة 46% منذ مارس.
بينما انخفضت السندات لأجل 30 عامًا 53%.
في حين تعتبر هذه الخسائر مماثلة تقريبًا لأسوأ الخسائر تاريخيًّا في سوق الأسهم الأمريكي. والذي انخفض 49% خلال فقاعة “دوت كوم” وبحوالي 57% بعد أزمة 2008.
وفيما يتعلق بخسائر أسعار السندات نفسها، تعتبر الخسائر الحالية أكثر من ضعف حجم تلك المسجلة في عام 1981 . بينما وصل العائد على السندات لأجل 10 سنوات لنحو 16%. كما زاد مؤشر موف MOVE للتقلبات في سوق السندات الأمريكية خلال الأسبوع الماضي لأعلى مستوى منذ نهاية مايو 2023.
في حين امتد ارتفاع عوائد السندات الحكومية إلى عدة مناطق حول العالم، تشمل منطقة اليورو واليابان والمملكة المتحدة. إذ صعد العائد على السندات الألمانية لأجل 10 سنوات لأعلى مستوى منذ عام 2011 ليسجل 2.9%. مقارنة بمستوى دون الصفر في بداية عام 2022.
كما ارتفع العائد على السندات الحكومية اليابانية لأعلى مستوى منذ 2013. رغم حقيقة أن اليابان لا تزال الدولة الوحيدة التي تشهد معدلات فائدة سالبة من جانب البنك المركزي.
أكبر سوق للأوراق المالية
تكمن أهمية سوق السندات في أنه يعتبر أكبر سوق للأوراق المالية حول العالم بقيمة تقارب 130 تريليون دولار. كما تمثل عوائد السندات حجم الأموال التي يتلقاها المستثمر نتيجة امتلاك الدين، وذلك كنسبة مئوية من السعر الحالي للسهم.
في حين تعتبر العلاقة عكسية بين الأسعار والعوائد، حيث إن هبوط أسعار السندات يدفع العوائد للارتفاع، والعكس صحيح. إذ يركز المستثمرون في الولايات المتحدة، اهتمامهم على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات، بسبب أهميتها في التمويل العالمي. ودورها الأبرز بالنسبة للمستهلكين والشركات والحكومات. في حين أن سندات الخزانة قصيرة الأجل تتأثر بشكل مباشر أكثر بسياسة الاحتياطي الفيدرالي.
من جانبه قال قال بن إيمونز، رئيس الدخل الثابت في نيو إدج ويلث، إنه عندما تتحرك السندات لأجل 10 سنوات. فإن ذلك يؤثر على كل شيء. مشيرًا إلى أنه المؤشر الأكثر مراقبة لمعدلات الفائدة، مع تأثيره على أي شيء يتعلق بالتمويل للشركات أو الأشخاص.
بحسب الخبراء فأن البيئة الحالية تسببت في انهيار بعض الارتباطات المتوقعة بين فئات الأصول المختلفة حول العالم. حيث تعرض سوق الأسهم الأمريكية لعمليات بيع مكثفة خلال الأسابيع الأخيرة، بالتزامن مع ارتفاع عوائد السندات.
كما هبط مؤشر “إس آند بي 500” للأسهم الأمريكية بنحو 7.5% منذ الذروة المسجلة في يوليو الماضي. مع ابتعاد الأموال عن الأصول الخطرة. بينما تعرضت السندات الأمريكية طويلة الأجل للهبوط بنحو 46% منذ الذروة التي بلغتها في مارس 2020. وهو هبوط غير متوقع لواحدة من الاستثمارات المفترض أن تكون ضمن الأكثر أمانًا. كما انخفضت أسعار الذهب عالميًّا لأدنى مستوى في 7 أشهر خلال تعاملات الأسبوع الماضي. قبل أن تتعافى لاحقًا بشكل طفيف من ذلك المستوى.
ركود اقتصادي
في هذا السياق قال بنجامين دان مدير شركة ألفا ثيوري أدفايزورز، إن الأسهم تتراجع كما لو كنا نشهد بالفعل ركودًا اقتصاديًّا. بينما ترتفع الفائدة بشكل يظهر أن النمو يبدو بلا حدود. في حين تتراجع أسعار الذهب بوتيرة تشير إلى أن التضخم انتهى.
كما لخص دان رؤيته للأداء غير المنطقي لفئات الأصول المختلفة مؤخرًا بقوله: “لا شيء مما يحدث يبدو منطقيًّا. وعن أسباب ارتفاع عوائد السندات الحكومية، قال إنها تأثرت بالتوقعات المتزايدة بشأن استمرار معدلات الفائدة المرتفعة لفترة أطول مما كان متوقعًا. ففي الولايات المتحدة، أشار الاحتياطي الفيدرالي إلى أنه يتوقع زيادة إضافية لمعدلات الفائدة هذا العام. بعد 11 عملية رفع منذ مارس 2022.
كما تشير الأسواق المالية إلى توقعات بخفض الفائدة الأمريكية إلى 4.7% بحلول نهاية العام المقبل من النطاق الحالي بين 5.25% و5.5%، ومقارنة بتقديرات في نهاية أغسطس الماضي عند 4.3%.
في حين رفع المركزي الأوروبي معدلات الفائدة لمستوى قياسي جديد عند 4%. مع توقعات مسؤوليه باستمرار المستويات المرتفعة للفائدة لفترة طويلة.
بينما تأثرت عوائد السندات بما يسمى علاوة الأجل، وهي التي تعوض المستثمرين عن احتمالات حدوث مفاجآت سيئة بمرور الوقت. ما يشمل التوقعات الخاطئة المحتملة لمعدلات الفائدة أو حتى التخلف عن السداد.
رفع حجم الإصدارات الجديدة
وأرجع الخبراء ارتفاع علاوة الأجل إلى العرض والطلب، مع حقيقة أن العجز المتزايد للحكومات تسبب في رفع حجم الإصدارات الجديدة من السندات لتمويل الإنفاق.
وأكد الخبراء أنه في الفترة بين يناير وسبتمبر 2023، جمعت الحكومة الأمريكية 1.7 تريليون دولار. (7.5% من الناتج المحلي الإجمالي) من الأسواق، بزيادة 80% مقارنة بنفس الفترة من 2022. كما بلغ متوسط معدل الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في الأسواق المتقدمة نحو 100%. مرتفعًا من 70% قبل الأزمة المالية العالمية في 2008.
كما توقفت البنوك المركزية عن شراء السندات، بل تحولت لبيع حيازتها من الديون والتي قامت بشرائها سابقًا خلال فترات التيسير الكمي. مؤكدين أن تحركات سوق السندات الأمريكي تؤثر على باقي أنحاء العالم، مع حقيقة أن معدلات الفائدة الأمريكية تدفع الدولار للارتفاع. ما يجبر البنوك المركزية الأخرى على تشديد السياسة النقدية لتفادي تسارع التضخم وتخارج رؤوس الأموال.
وأضاف الخبراء أن استمرار ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأمريكية يهدد بآثار سلبية كبيرة على المستهلكين والشركات والاقتصاد بأكمله. كما أن ارتفاع تكاليف الاقتراض قد يهبط بالطلب الاستهلاكي مع خفض الأمريكيين للإنفاق وسط ارتفاع معدل البطالة.
ضغوط على الحكومات
في هذا السياق أكدت ليندسي روزنر رئيس وحدة الاستثمار متعدد القطاعات في جولدمان ساكس أنه يجب على المستهلكين الاقتراض. بمعدل فائدة أعلى بكثير مما كان عليه قبل عدة أشهر، ما يسبب ضغوطاً على الأمريكيين. مشيرة إلى ارتفاع عوائد السندات يضع ضغوطًا على الحكومات التي ترغب في الاقتراض، حيث يزيد من تكلفة الحصول على التمويل.
كما يهدد ارتفاع تكاليف الاقتراض الشركات التي تمتلك مستويات عالية من الدين، حيث إنها قد تعاني لإعادة تمويل ديونها. ما قد يضغط على النظام المالي العالمي.
وأضافت أن تجدد عوائد السندات المرتفعة المخاطر في قطاع البنوك المحلية الأمريكية مع تراجع قيمة حيازتها من تلك الأصول. وهو ما كان أحد أسباب الاضطرابات المصرفية في مارس الماضي.
في حين تتعرض الأسواق الناشئة لمخاطر متزايدة جراء ارتفاع عوائد السندات. خاصة الدول الأكثر عرضة للخطر والتي تصدر ديونًا من الفئة غير الاستثمارية. حيث ارتفع العائد الإضافي الذي تدفعه الحكومات ذات التصنيف عالي المخاطر على ديونها بالعملات الأجنبية إلى أكثر من 800 نقطة. أعلى عائد سندات الخزانة الأمريكية، ما يزيد 70 نقطة أساس عن القاع المسجل في أغسطس.
كما تعرض الاحتياطي الفيدرالي لخسائر حادة جراء هبوط أسعار سندات الخزانة لأجل 30 عامًا. والصادرة في مايو وأغسطس 2020 عند 45 و46 سنتًا على الدولار الواحد. حيث إنه يمتلك 18.8% من الأولى، و24% من الثانية.
مقالات ذات صلة:
حيازة السعودية من السندات الأمريكية تتراجع لـ 109.2 مليار دولار في يوليو 2023
التعليقات مغلقة.