السعودية من الاعتماد على النفط إلى الاقتصاد المتنوع

أحدث اكتشاف النفط في المملكة تحولًا تاريخيًا في اقتصادها من أنشطة اقتصادية بسيطة إلى الاعتماد على النفط كمورد أساسي بنسبة تصل إلى 90 %.
وبدأ هذا التحول بمنح امتياز التنقيب عن النفط للنقابة الشرقية العامة من قبل الملك عبد العزيز آل سعود – رحمه الله – انتهى ذلك الامتياز عام 1928 دون تحقيق نتائج عملية.
صناعة النفط في المملكة
وبدأت بعدها مرحلة جديدة؛ إذ تأسست صناعة النفط في المملكة بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية مطلع الثلاثينات والأربعينات.
وفي 29 مايو من العام 1933 بدأت فعليًا صناعة النفط باتفاقية الامتياز للتنقيب عن البترول بين حكومة المملكة وشركة ستاندر أويل أوف كاليفورنيا “سوكال”. كما تم حفر أول بئر احتياطية في الظهران.
وفي العام نفسه، تم إنشاء شركة تابعة هي شركة كاليفورنيا إريبيان ستاندر أويل كمبوني “كاسوك” لإدارة الامتياز.
أرامكو السعودية
وفي عام 1944، وفي خطوة تهدف إبراز دور المملكة بين الدول المنتجة للنفط تم تغيير اسم كاسوك إلى شركة الزيت العربية الأمريكية والتي عرفت اختصارًا باسم “أرامكو السعودية”.
وفي عام 1952، تم نقل مقر الشركة من نيويورك إلى الظهران وأصبحت أرامكو تتبوأ مركز الصدارة في الصناعات البترولية؛ إذ تجاوز إنتاج الزيت 10 ملايين برميل يوميًا.
وتدير الشركة احتياطات تقليدية من الزيت الخام تبلغ 260.2 بليون برميل. ومن احتياطات الغاز نحو 284.8 تريليون قدم مكعب قياسية واكتشفت 116 حقل زيت على مدي تاريخ الشركة.
قطاع النفط في الاقتصاد السعودي
وقد بلغ متوسط إنتاج السعودية من النفط 8.973 مليون برميل يوميًا في عام 2024. وذلك مقارنة مع متوسط 9.609 مليون برميل في العام 2023. فيما كان المتوسط 10.531 مليون برميل يوميًا في العام 2022.
كما يمكن تأكيد دور قطاع النفط في دعم الاقتصاد السعودي. حيث إن الإيرادات النفطية خلال المدة 2010 إلى 2024 سجلت نحو 10.56 تريليون ريال “2.81” تريليون دولار. كما استحوذت إيرادات السعودية من النفط على حصة تقترب من 73.3% من إجمالي ايرادات الميزانية العامة للمملكة.
وطيلة الـ 15 عاما الأخيرة يسهم النفط في دعم الاقتصاد السعودي المتطور بخطي ثابتة وتخطيط علمي.
الاقتصاد السعودي الحالي
والاقتصاد السعودي اليوم يختلف في معطياته وتفاصيله وكلياته عما كان عليه قبل 20 أو 40 عامًا عندما كان يعتمد بكلياته على النفط.
وعلى الرغم من أن النفط لا زال في مركز الصدارة بين السلع المخصصة للتصدير؛ إلا أن المملكة خصصت جزءًا كبيرًا من عائدات النفط لتطوير اقتصادها ودعم القطاعات الأخرى غير المرتبطة بالنفط.
بما ذلك بناء قطاع زراعي في الصحراء وفي مناطق مختلفة من المملكة. كما تعمل المملكة على تطوير صناعات الطاقة المتجددة والطاقة النظيفة وتوسيع مواعين تخزين الطاقة.
وهنالك خطط طموحة لتطوير قطاع التعدين المجنبة موارده بنسب كبيرة في الوقت الراهن. فالمملكة تمتلك احتياطات ذهب تتراوح بين 500 و700 مليار دولار لم يتم التنقيب عنها بعد إضافة إلى موارد في مجالات أخرى تعمل حكومة المملكة على استغلالها في المستقبل القريب. بحيث يصبح الاعتماد على النفط في جزئية بسيطة في الناتج المحلي الإجمالي.
الاهتمام بالقطاعات غير النفطية
والشاهد أن الاهتمام بالقطاعات غير النفطية والعمل على تطويرها وتشجيع الاستثمار فيها أسهم بصورة كبيرة في زيادة مساهمة هذه القطاعات في الناتج المحلي الإجمالي.
وخلال العام 2024، بلغت الإيرادات غير النفطية 502.5 مليار ريال بنسبة ارتفاع 10 %. ذلك مقابل 457.7 مليار ريال للفترة نفسها من العام 2023.
وهو مؤشر إيجابي تؤكده أرقام الناتج المحلي الإجمالي للعام نفسه. إذ بلغت تقديرات الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نهاية 2023 نحو 2.9 تريليون ريال. وكانت حصة القطاع غير النفطي منه 1.8 تريليون ريال تمثل ما نسبته 64 % في حين بلغ إجمالي الناتج النفطي 1.1 تريليون ريال تمثل نسبة 36 %.
لكن نمو الايرادات غير النفطية ظهر بأرقام مبشرة في ميزانية العام 2025 التي جاءت بأرقام قياسية عكست أن الاعتماد على مصادر الايرادات غير النفطية يواصل الصعود. كما يحقق أرقامًا مرتفعة.
وتوقعت الميزانية ارتفاعا بمصادر الايرادات غير النفطية، ومنها على سبيل المثال الإيرادات الضريبية بنسبة نمو 3.7% لتقفز من 366 مليار ريال الى 379 مليار ريال دون إقرار رفع الضرائب. وهذا دليل على أن الميزانية عكست الاستمرارية في دعم تحصيل هذه الإيرادات والمضي قدمًا في برنامج الإصلاح الاقتصادي حتي تحقيق كل الأهداف المنشودة.
برنامج الإصلاح الاقتصادي
وطالما أن برنامج الإصلاح الاقتصادي مرتبط برؤية المملكة 2030. فهذا يعني ضمنيًا أن الأهداف ستكون متعلقة بالهيكل الكلي للاقتصاد فالرؤية تستهدف أن يصل حجم الناتج المحلي الإجمالي إلى حدود 6.5 تريليون ريال. بحيث تكون حصة القطاعات والأنشطة غير النفطية 76% بمبلغ 4.9 تريليون ريال. بينما يساهم القطاع النفطي بنسبة 24 % بمبلغ في حدود 1.5 تريليون ريال.
المشروعات التنموية الإستراتيجية
ولتحقيق هذا المطلب أنشأت المملكة العديد من المشروعات التنموية الإستراتيجية بهدف توسيع وتنويع القاعدة الانتاجية الداعمة للاقتصاد السعودي بعيدًا عن تأثيرات وارتباطات القطاعات النفطية كمشروع نيوم، والقدية، والدرعية، وروشن في قطاع التشييد.
وهنالك خطط لرفع جاذبية القطاعات الصناعية والموانئ والاستفادة من السواحل وتطوير قطاع التعدين. كما شملت هذه الخطط التطوير الافقي والراسي.
وفي اتجاه آخر تخطط المملكة لرفع معدلات الصادرات غير النفطية إلى أرقام قياسية بعد أن شهدت نسبها في المساهمة في الناتج المحلي الاجمالي ارتفاعًا ملحوظًا عامًا بعد عام كان آخرها في العام 2024. عندما ارتفعت مساهمة القطاع غير النفطي في الاقتصاد السعودي عند 51.4 متجاوزًا نظيره النفطي للمرة الأول بعد نموه لأربعة أعوام متتالية بنسبة 4.3% والسبب يعود إلى تنفيذ برنامج الاصلاح الاقتصادي وفقا لرؤية المملكة 2030 وزيادة الاعتماد على القطاع الخاص؛ ليكون قاطرة تنويع الاقتصاد وإضافة قطاعات جديدة إلى الخارطة الاقتصادية. ما أحدث تحولًا هيكليًا في الاقتصاد السعودي. تزامنًا مع دخول قطاعات واعدة. مثل الترفيه والنقل والسياحة وقطاع الصناعة والخدمات اللوجستية. وتجارة الجملة والتجزئة والمطاعم والفنادق وخدمات المال والتامين والعقارات وخدمات الاعمال. ما زاد من مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي.
وينتظر أن تشهد السنوات القادمة نموًا كبيرًا في إيرادات القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الاجمالي للمملكة العربية السعودية.
التعليقات مغلقة.