منصة إعلامية عربية متخصصة فاعلة في مجال الاقتصاد بروافده المتعددة؛ بهدف نشر الثقافة الاقتصادية، وتقديم المعلومات والمصادر المعرفية السليمة التي تسهم في نشر الوعي الاقتصادي، ومساعدة أصحاب القرار في اتخاذ القرارات الصائبة التي تقود الاقتصاد نحو تنمية فاعلة ومستدامة.

بورصة أبو ظبي | فوتسي

الأسهم الأمريكية | ناسداك

بورصة أبو ظبي | فوتسي

الأسهم الأمريكية | ناسداك

الرابط المختصر :

الأغذية العضوية أم المعدلة وراثيًا؟

لوحظ في كثير من المتاجر وأسواق الخضر والفواكه في معظم دول العالم، خاصة دول الاتحاد الأوروبي، وجود إعلان مرافق لسعر كل سلعة غذائية معروضة يبين ما إذا كانت عضوية أم معدلة وراثيًا، فيما يبدو أنه إعلان إلزامي على التجار أمام جميع المستهلكين.

 

قد يعجبك.. الربح.. ومفهوم فائض القيمة

 

تُعرض في متاجر المواد الغذائية والخضر والفواكه، أصناف تزيد أسعارها بشكل لافت عن أسعار مثيلتها من نفس النوع عند ذات التاجر. ولتوضيح هذه المفارقة نجد الباعة يعلنون- على سبيل التبرير- أن الصنف ذا السعر المرتفع “عضوي”، دون أن يعلنوا أن الأصناف الأخرى معدلة وراثيًا Genetically modified food أي مُنتجة من كائنات حية جرى تعديلات على حمضها النووي؛ عبر الهندسة الوراثية التي تتيح إدخال صفات جديدة عليها، مع تحكم أكبر في صفاتها الأصلية عند مقارنتها بالطرق السابقة؛ مثل التربية الانتقائية، والتكاثر بالطفرات.

 

الوضع الغذائي العالمي

لقد كانت المنتجات العضوية- التي تُعدُّ حاليًا من الأصناف الفاخرة- هي الغذاء اليومي الطبيعي والعادي لآبائنا وأجدادنا، ولكن لما أصبح الوضع الغذائي العالمي في حالة حرجة أمام النمو السكاني المتزايد، نجحت جهود البحث العلمي في مجال الأبحاث الجينية في إغراق الأسواق بالمنتجات المعدلة وراثيًا، والتي تميزت بالغزارة وكبر معدلات إنتاجها، وضخامة حجمها، مع انخفاض سعرها نسبيًا، ولكن يؤخذ عليها أنها أصبحت شبه خالية من الحمض النووي الأصلي، أو قد تحتوي على نسبة قليلة منه، مع فقدان جزئي لطعمها المميز؛ وهو ما امتد أثره إلى جملة من الأغذية تشمل: القمح، الذرة، والصويا، والشمندر السكري، والبطاطس، واللحوم، وسمك السلمون، فيما تثير الحبوب- وخاصة الذرة- إشكالية كبيرة؛ لكثرة مشتقاتها التي تدخل في صناعات غذائية متعددة؛ كالزيوت، والنشويات، ومواد حفظ المعلبات.

 

تحفظ أوروبي شديد

وقد نشب خلاف كبير بين دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية؛ بسبب الموقف من الزراعات المعدلة وراثيًا؛ فالتوسع في هذه الزراعات في أمريكا، قابله تحفظ أوروبي شديد، يكاد يلامس حدود الرفض؛ حيث تخلصت عدة دول من بقايا الزراعات التي  أُجري عليها تجارب التعديل الوراثي؛ كقيام المجر بحرق كل حقول الذرة المعدلة وراثيًا.

 

مخاطر على الصحة العامة

لم يكن كافيًا منع الزراعات المُعدلَّة وراثيًا من أجل إخلاء المحلات تدريجيًا من الأغذية المعدلة؛ بسبب تغلغل مشتقاتها- ولو بنسب متفاوتة- في معظم المنتجات الغذائية المعروضة للاستهلاك، بل ترادف معها حملات إعلامية للتوعية بمخاطرها المحتملة على الصحة العامة جراء استهلاك الأغذية أو تناول الأطعمة المعدلة، إلى أن صارت الأغذية المعروضة بالمحلات التجارية موضع التباس لدى المستهلكين، الذين بدأوا يتحولون إلى الأغذية العضوية أيًا كان ثمنها؛ ما انعكس على المسؤولين الذين تعرضوا  لحرج حيال كيفية صياغة الإجراءات الواجب اتخاذها للإعلان عن طبيعة المواد الغذائية المعروضة للبيع.

تُعدُّ سياسة إمساك العصا من المنتصف حلًا لإنقاذ الموقف؛ إذ استقر الاتفاق على فرض الإعلان عن منتج ما إذا كان معدلًا وراثيًا، والسماح باحتواء الغذاء على نسب تختلف من دولة إلى أخرى، حددتها دول الاتحاد الأوروبي بـ 0.9 % من المواد المعدلة وراثيًا؛ ليصبح الإعلان عنها إلزاميًا.

ومع ذلك، فإنَّ فحص بعض الأطعمة بجنوب إفريقيا مثلًا كشف عن وجود أكثر من 31 % من العناصر المعدلة ضمن الأغذية التي لم يُعلن أنها معدلة وراثيًا، في حين شهدت أسواق الدول التي لم تفرض التقيد بمثل هذا الإعلان استهلاك منتجات معدلة وراثيا بنسبة 100%  ؛ مثل الذرة ودقيقها وزيتها ومشتقاتها والقطن وزيته، وغير ذلك.

استعرت المواجهة بين الجهات المناهضة للزراعات المعدلة وراثيًا، وبين الشركات الكبرى النشطة في مجال الزراعات الغذائية والمروجة للبذور المعدلة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية؛ فكان النجاح حليف الفريق الأول؛ حيث بدأ العمل في كثير من الولايات بفرض الإعلان عن المنتج المعدل وراثيًا؛ وهو ما أصرت على رفضه كثير من الشركات ومازالت تحاربه بضراوة، بعد أن صارت الإعلانات في المحال الكبرى والمتاجر تروج بشكل أكبر للمنتجات العضوية.

 

تحليلات قانونية وفقهية

وقد خضعت مسألة الأغذية العضوية وتلك المعدلة وراثيًا لتحليلات قانونية وفقهية متعددة؛ من منطلق حق الإنسان في الأمن الغذائي؛ حيث بلغت الحماية الجنائية في بعض الدول حد تجسيد المنع القسري والمعاقبة على جرائم المياه مثلًا  كرادع أمام تصعيد الأزمة الزراعية التي أدت إلى زيادة الحاجة إلى استيراد المنتجات الزراعية والغذائية؛ بسبب تدهور الموارد المائية، وسوء إدارة المياه؛ فكانت النتيجة تفاقم ؛ بسبب التفضيل غير المبرر للأمن الغذائي على الحق في الغذاء  الصحي.

 

 الجينوم البشري

ومن وجهة النظر الفقهية، تبدو الحجج المؤيدة لإنتاج وتسويق المنتجات الغذائية المعدلة وراثيًا أقوى، بل إنَّ مواءمة السياسة الجنائية تدعم عدم تجريم هذه المنتجات؛ فما يتعلل به المعارضون كسبب لمعارضة إنتاج الأغذية المعدلة وراثيًا هو أكثر من مجرد اهتمام فقهي؛ لأن إجراء البحوث على جينوم النبات والحيوان؛ وبالتالي الجينوم البشري، قد يكون مصحوبًا بانتهاكات لحقوق الإنسان، وتضعنا في إطار تجريم السلوكيات التي تعطل سلسلة الإمداد الغذائي السليم والصحي؛ من خلال انتقاد القوانين واللوائح القائمة في مجال الحماية الجنائية لقضيتي المياه والسلامة الحيوية في استهلاك الأغذية المعدلة وراثيًا، ويكون الغرض من الجرائم ذات المسؤولية المطلقة- مع افتراض المسؤولية الجنائية في نظر المهتمين- هو نقد مواد القوانين المتعلقة بالمنتجات المعدلة وراثيًا، والجرائم ضد المياه؛ من أجل تحميل الحكومات والكيانات القانونية العامة والخاصة مسؤولية تنفيذ ومراقبة قوانين سلامة الغذاء، مع مراعاة مبدأ الحد الأدنى والتدخل المحدود.

 

مقالات ذات صلة:

صبحة بغورة تكتب.. عـالم المبيعات

المؤسسات الصغيرة وبعث النشاط الاقتصادي

صبحة بغورة

الرابط المختصر :

التعليقات مغلقة.