صبحة باغورة تكتب.. فن البراندينج
أدت الضرورة السوقية إثر بعث الحيوية في مجال الإعلانات وحملات الترويج للمنتجات ونجاح جهود الانتشار والتسويق للسلع التجارية إلى ارتباط فن تصميم الجرافيك المعاصر بالعلامات التجارية من خلال البراندينج؛ وهو مصطلح حديث يعني صبغ جميع مكونات الشركة من مواد إعلانية ومنتجات وسيارات ولوحات إعلانية وغيرها بصبغة واحدة تجعل من يلمحها يدرك تلقائيًا انتسابها للأصل.
فن البراندينج
لم تكن قديمًا عملية بحث طلبات العملاء لإكساب منتجاتهم السمة المميزة لها في الأسواق، تتجاوز حدود اللقاءات السريعة مع موظفي المبيعات أومندوبي التسويق، فكانت النتيجة عبارة عن مجرد ملاحظات فردية، أو تصورات معبرة عن انطباعات شخصية؛ أي نابعة من رؤية ذاتية محضة قد تلتقي بصدفة التوفيق أو تصيبها خيبة الفشل.
مهارات الترويج
اليوم يتولى هذه المهمة فريق يجمع بين أصول ممارسة فنون تصميم الجرافيك المعاصرمن جهة، وامتلاك أدوات الانتشار ومهارات الترويج من جهة أخرى؛ لتعزيز الحضور المؤثر والجذاب لإنتاج شركة أو مؤسسة تنتج سلعًا تجارية أو تقدم خدمات؛ لتمكينها من تحقيق أكبر قدر من إعجاب المستهلكين من خلال التصميمات المقدمة وأسلوب المخاطبة.
والأمر يتعلق أساسًا بتصاميم الجرافيك لشعار الشركة وهويتها البصرية؛ لتتجاوب مع تفكير انتشار استراتيجي بعيد المدى يتجاوز المنطلق الشكلي والجمالي الآني للتصميم في حد ذاته.
وتتولى عادة هذه المهمة متخصصة في التصميم الفني وشركات الإعلانات؛ وهذا ما يعني البراندينج؛ أي صناعة العلامة التجارية التي تعظم الوعي بدورها وبأهميتها في نجاح الترويج للمنتج.
علم وفن
والبراندينج علم وفن؛ فلتصميم الشعار (اللوجو) قواعد، فالناس يبدأون بفكرة مجردة، مبتكرة، حيادية، تحتاج إلى من يحوّلها إلى عمل تجاري يُقدم للمستهلكين، سواء على شكل منتج سلعي أو خدمي أو غيرهما.
وبقدر تجاوب الناس مع الفكرة، بقدر ما يمكن تلمس مصير هذه الفكرة، من حيث قبولها؛ لتتبلور إلى علامة تجارية ناجحة؛ أي brand.
عادة ما يتم في البداية تقديم عيّنة من المنتج للمستهلكين؛ كقوة دفع أولى للعلامة التجارية، وعليها يتبين دور الشعار ومكانته في العملية الشاملة “البراندينج” عندما يكون التصميم لشعار واحد وليس لعدة خيارات.
صورة ذهنية واضحة
وحين ينجح المصمم في تكوين صورة ذهنية واضحة عن ماهية المنتج ويحوّل إحساسه به إلى صورة ملموسة في شكل شعار، يكون حينئذ قد حقق النتيجة المثلى، ثم بمرور الوقت لابد من تجديد وتطوير العلامة التجارية، وكل الهوية البصرية الممثلة في شكل تكوينات محددة.
مثل الشعار باستخدام الحرف السميك المختصر الذي يوحي بالجدية والثقة، والحروف الموحية بالإنجاز والألوان المتصفة بالحيوية؛ وذلك ليكون جذّابا ومؤثرًا؛ وبالتالي تصبح المهمة أسهل وأكثر فاعلية، وتثير عند رؤيتها مشاعر الإعجاب والثقة.
وهذا أهم ما تحققه عملية البراندينج، حين تصبح هي المسؤولة عن مهمة المحافظة على النجاح ومستقبل المنتج. ونكون هنا بصدد تأكيد فرضية أن قوة الشعار قد تعزز المهمة.
الهوية البصرية
وبناءً على ذلك، تبرز وجهات نظر حول العلاقة بين العلامة التجارية وطبيعة العمل ومستوى نجاحه، أي تحديد واقع العلامة التجارية في السوق بين الشكل والفعل:
- الفريق الأول يرى أن الهوية البصرية أو العلامة التجارية هي التي تدفع تلقائيًا إلى رواج المنتج.
- الفريق الثاني يرى أن جودة المنتج هي التي تؤدي إلى اتساع نطاق التعريف بها وتدفع العلامة التجارية نحو الشهرة.
- الفريق الأخير يرى أن المستهلك النهائي هو من يدفع المنتج والشعار بتمام الترويج وكامل الانتشار إلى النجاح، بناءً على ما يحققه له هذا المنتج من نفع.
جودة المنتج
والحقيقة أن جودة المنتج هي السبب المباشر وراء نجاح العلامة التجارية، ثم تصبح العلامة التجارية أداة المحافظة على النجاح؛ أي إنَّ بناء العمل الجيد يعني بناء الشهرة وبناء بريق العلامة التجارية سوقيًا؛ إذ لا يمكن الإبقاءعلى مكانة علامة تجارية لمنتج سيء؛ لأن العلامة تعكس قيمًا حقيقية.
ولها أدوار إيجابية عديدة؛ كخفض الحاجة إلى مزيد من الإنفاق الإعلاني على المدى البعيد؛ لأنها تأتي بالمستهلك إلى البائع، وتزيد من جاذبية التوظيف والعمل بالشركة، وتساعدها على مواجهة تبعات الكساد السلعي أو الركود الاقتصادي، كما تمكنها من استغلال سابق سمعتها الطيبة في تعزيز قدرتها على عرض المزيد من تشكيلة منتجاتها الأخرى.
العلامة التجارية المميزة
وبصفة عامة، فإنَّ صنع العلامة التجارية المميزة لمشروع ما يستند إلى صياغة الهدف المثالي له، مع البدء أولًا بتحديد فكرة العمل بوضوح، شريطة احتلال مكانة معينة مسبقًا في السوق، ثم التفكير فيما يمكن أن يميز المنتج عن غيره بقيمته الفريدة؛ أي يتمتع بمقومات تنافسية أساسية.
يستند البراندينج في هذا المجال إلى ثلاثة عناصر:
- كونه فعلًا يوميًا.
- جهد مستمر لا ينبغي له أن يتوقف.
- موضوعه في النهاية هو الناس.
وهذه العناصر تجعل من عملية رفع الهوية الجرافيكية من مجرد تصميم جمالي إلى مستوى التناول الكلي؛ ليكون فعلًا مستمرًا، يوسع دائرة حضور صورة الشركة، ممثلة في شعارها وموادها الإعلامية.
التعليقات مغلقة.