منجم الفرص.. كيف تعيد السعودية صياغة واقع غرب أفريقيا التنموي

تمثل الاستثمارات السعودية في غرب أفريقيا مبادرةً إستراتيجيةً لتعزيز العلاقات الاقتصادية ودعم التنمية الإقليمية من خلال تنويع فرص الاستثمار.
ووجهت السعودية اهتمامها بشكل متزايد إلى غرب أفريقيا، في إطار أجندتها الأوسع لرؤية 2030. حيث تستهدف تقليل الاعتماد على عائدات النفط وتعزيز التنويع الاقتصادي.
وتتوجه هذه الإستراتيجية نحو قطاعات رئيسية كالبنية التحتية والطاقة النظيفة والتعدين. ولا يعد هذا الانخراط محوريًا للنمو الاقتصادي فحسب، بل يعكس أيضًا نمطًا تاريخيًا من العلاقات التبادلية منذ قرون.
ويبشر مسار الاستثمارات السعودية في غرب أفريقيا، بالنظر إلى المستقبل، بنمو واعد، مع توقعاتٍ بنمو في القطاعات الرئيسية يتماشى مع أهداف التنمية الإقليمية.
نسيج تاريخي غني بالتفاعلات
ويكشف السياق التاريخي، أهمية شبه الجزيرة العربية في التجارة العالمية بفضل موقعها الإستراتيجي، الذي عزز التبادلات الثقافية والاقتصادية الكبيرة.
كما تربط أفريقيا والمملكة روابط قوية من خلال الفرص الاقتصادية، والاستثمارات التعليمية، والمساعدات الإنسانية، والروابط الدينية.
وتموّل المملكة منحًا دراسية للطلاب الأفارقة، وتقدم الإغاثة في حالات الكوارث. ما يعزز النمو المتبادل.
ومع قيام ملايين الأفارقة بأداء فريضة الحج إلى المملكة، تعزز هذه الروابط الثقافية واللغوية والدينية العلاقة. كما تحفز التنمية والازدهار المشتركين.
القطاعات الرئيسية للاستثمار السعودي
وتتركز الاستثمارات السعودية في غرب أفريقيا في عدة قطاعات. ما يعكس نهجًا إستراتيجيًا؛ لتعزيز العلاقات الاقتصادية ودعم التنمية الإقليمية.
وأعلنت المملكة، أواخر 2024، عن استثمار 41 مليار دولار في أفريقيا جنوب الصحراء على مدى عشر سنوات، عبر حزمة تتضمن:
- تقديم 25 مليار دولار من الاستثمارات المباشرة من الشركات الخاصة.
- إلى جانب التمويل للشركات الناشئة والقروض.
- مبادرة تنمية إقليمية بقيمة مليار دولار.
- و5 مليارات دولار تمويلًا مخصصًا للشركات الناشئة في أفريقيا.
- و10 مليارات دولار تمويلًا من بنك التصدير والاستيراد السعودي.
- كما سيتم استثمار 25 مليار دولار من قبل القطاع الخاص السعودي.
ويستعد تحالف من هيئات التمويل الإقليمية المدعومة من الخليج يستعد لمنح الدول الأفريقية قروضًا بقيمة 50 مليار دولار بحلول 2030.
ويضم التحالف، المعروف باسم مجموعة التنسيق العربية، الصندوق السعودي للتنمية، وصندوق أبو ظبي للتنمية. كما يضم البنك العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا، وصندوق النقد العربي، والبنك الإسلامي للتنمية.
الاستثمارات السعودية في التعدين
وتبذل السعودية جهودًا متضافرة لدخول سوق المعادن في أفريقيا؛ حيث استضافت مطلع 2024، النسخة الثالثة من منتدى معادن المستقبل بالرياض.
وركزت المملكة بالمنتدى على إقامة شراكات طويلة الأمد مع الجهات المعنية الرئيسية بقطاع التعدين؛ حيث حضر المنتدى 25 وزيرًا أفريقيًا.
وأعلنت المملكة في أعقاب المنتدى، عن رغبتها في شراء حصص تعدين عالمية بقيمة 15 مليار دولار أمريكي. شملت تأمين معادن من دول، من بينها ناميبيا وغينيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
وتستهدف المملكة دعم هدفها الطموح المتمثل في إنتاج 500 ألف سيارة كهربائية سنويًا بحلول عام 2030.

الاستثمار في البنية التحتية
وتعد الاستثمارات في البنية التحتية حيويةً للنمو الاقتصادي في غرب أفريقيا. ولعب صندوق الاستثمارات العامة السعودي دورًا محوريًا في توظيف رأس المال لتحفيز استثمارات القطاع الخاص في مشاريع البنية التحتية المختلفة.
ويشمل ذلك مبادرات لتحسين أنظمة النقل والخدمات اللوجستية، والتي تعد ضرورية لتعزيز التجارة والتنقل في المنطقة.
كما يعتبر الصندوق السعودي للتنمية (SFD) من أبرز الجهات الممولة لمشاريع البنية التحتية في غرب أفريقيا.
ومول الصندوق منذ تأسيسه أكثر من 400 مشروع في 46 دولة أفريقية، بقيمة تجاوزت 10.7 مليار دولار. شملت قطاعات النقل والطاقة والمياه والتعليم، بما يصل إلى 57% من تمويلات الصندوق بالبلدان النامية في جميع أنحاء العالم.
وكان للصندوق نشاط في منطقة غرب أفريقيا، عبر تمويل مشاريع طرق إستراتيجية تربط الدول غير الساحلية؛ وذلك لتعزيز التكامل الإقليمي. وشمل هذا النشاط دول من بينها بوركينا فاسو والجابون.

وساهم الصندوق السعودي منذ بدأ نشاطه في بوركينا فاسو عام 1978 -على سبيل المثال- في تقديم:
- العديد من القروض التنموية الميسرة للإسهام في تمويل وتنفيذ 15 مشروعًا وبرنامجًا إنمائيا.
- تقدر قيمة هذه المشاريع بأكثر من 217 مليون دولار.
- كما قدم ثلاث منح كريمة مقدمة من حكومة المملكة.
- مولت هذه المنح مشاريع ضمن البرنامج السعودي لحفر الآبار والتنمية الريفية في افريقيا.
- وتقدر هذه المشاريع بقيمة إجمالية 15 مليون دولار.
- كما أسهم الصندوق في تحقيق النمو الاقتصادي والازدهار الاجتماعي في بوركينا فاسو، وساهم في تحسين المستوى المعيشي للسكان.
وساهم الصندوق في تمويل ثلاثة مشاريع في جمهورية الجابون بقيمة تقدر بأكثر من 37 مليون دولار. حيث هدف إلى تمويل وتنفيذ عدد من المشاريع في قطاعات النقل والتعليم.

المياه والطاقة المتجددة
ويعد قطاع الطاقة محورًا رئيسًا للاستثمارات السعودية، لا سيما في مجال الطاقة المتجددة.
وتعمل الحكومة السعودية، من خلال شركة أرامكو المملوكة للدولة، على تعزيز شراكاتها مع الدول الأفريقية لدعم استثمارات الطاقة وتطوير البنية التحتية.
كما أعلنت شركة أكوا باور السعودية، في مارس 2024 عن توقيع اتفاق لإنشاء محطة لتحلية المياه في السنغال. تقدر قدرتها الإنتاجية الإجمالية بنحو 400 ألف متر مكعب يوميًا وبقيمة 800 مليون دولار.
السعودية نموذج ملهم للأفارقة
وهناك عدة أسباب تجعل المملكة شريكًا جذابًا للدول الإفريقية عمومًا وغرب أفريقيا بالأخص. يأتي على رأسها: قصة التنمية السعودية، القائمة على استغلال قطاع الموارد الإستخراجية لتحقيق نمو اقتصادي.
كما أن المملكة تعد نموذجًا ملهمًا للدول الأفريقية، خصوصًا في كيفية دعم إيرادات النفط في تحسين مستوى المعيشة في البلاد.
وتسجل المملكة أداءً جيدًا في مؤشر التنمية البشرية؛ حيث جاءت السعودية عام 2021، ضمن أفضل 25% عالميًا على هذا المؤشر. كما احتلت المرتبة 33 من بين 143 دولة.
وعلى النقيض من ذلك، فإن 74% من الدول الواقعة في الربع الأدنى لترتيب مؤشر التنمية البشرية تقع في أفريقيا. حيث تصنف 73% منها على أنها غنية بالموارد.
ويظهر ذلك أن هذه الدول، رغم امتلاكها احتياطات كبيرة من المعادن والنفط والغاز، فشلت في تحويلها إلى تنمية اجتماعية واقتصادية.
وتسعى العديد من الدول الأفريقية إلى استنساخ نموذج النمو السعودي. إذ تحاول هذه الدول، وسط ضغوط التمويل العام المحدود والنمو السكاني السريع، تعبئة الإيرادات لتلبية احتياجاتها التنموية.