قيمـة ثقافـة العمـل

ثقافـة العمـل جزء من الثقافة الإنسانية وعالمية المعرفة، وهي نتاج العمل البشري وتراكم الأنشطة المختلفة والتجارب الحياتية المتنوعة والمتفاعلة مع القيم والأخلاقيات والقانون والاقتصاد والعادات والتقاليد الاجتماعية، وكلها تشكل قيمًا ثقافية تظهر في سلوكيات الفرد وعمله، وفي حياة ونشاط المجتمع ومؤسساته التي تربط القيمة بالعمل، والعمل بالإنتاج.
قد يعجبك.. استراتيجية تطوير المهارات في العمل
وتجمع النظريات الاجتماعية والاقتصادية الحديثة على أن ثقافة العمل جزء مهم من التنشئة الاجتماعية للفرد، ولكي تصبح قيمة اجتماعية لابد من إدراجها في سياق الحياة العملية؛ لتكون جزءًا من كينونة الفرد؛ باعتباره إنسانًا يعيش الحياة وفق قواعد ومهارات وفكر، يسعى من خلاله إلى الخوض في مجاله العملي منطلقًا بخياله الثري نحو الإبداع.
الاعتماد على النفس
يقودنا الحديث عن ثقافة العمل إلى الإشارة إلى الفارق بين مفاهيم الاعتماد على النفس والاتكال على الآخرين، إنه الفارق بين الثقة في النفس والتعاون والعمل بروح الفريق، وبين إحالة أمور الفرد إلى يد غرباء يتكل عليهم ليحددوا له شؤونه سلبًا أو إيجابًا، ويرسمون مصيره وفق ما يرونه هم. إنها أنماط سلوكية يعتاد عليها ضعيفو الهمة والعزم، ولا تسهم في بناء علاقات سوية في محيط الأسرة والمجتمع، وتؤثر سلبًا في الأشخاص والمجموعات ببيئات العمل ومواقع الإنتاج.
الإتقان
تُبنَى ثقافة العمل على الإتقان، وربط إطار السلوك بالالتزام، والجدّ لبناء مجتمع منتج ومُحصَّن ضد التواكل والاستهتار والاستهلاك، وتُبنى أيضًا باعتماد المراقبة والمحاسبة والأمانة، ويستند انتشارها بمبرر الواجب المجتمعي الذي يضيء جوانبه الخطاب الإعلامي والثقافي والتعليم.
تنطوي ثقافة العمل على التفاني والإخلاص لجهة العمل، والإيمان بحق المجتمع؛ لذلك ينبغي تدعيم قدرات الفرد ومهاراته المهنية بما يضمن أداء العمل بكفاءة؛ وذلك بإتقانه استخدام وسائل الاتصال الحديثة، وتزويده بالمعارف العلمية والخبرات العملية، وترسيخ القيم الاجتماعية.
القيم الذاتية
وينبغي أيضًا، الاهتمام بالقيم الذاتية؛ كونها تنبثق من قناعات الفرد الفكرية بفهم العمل على أساس جهد مقابل أجر؛ ما يعني أن أي اختلال في طرفي المعادلة يزعزع بناءها، فمن حق جهة العمل اشتراط الإتقان والالتزام ، على أن يكون المقابل المالي مناسبًا ودافعًا للتشجيع على مزيد من العطاء والإتقان.
وتسهم التنشئة الأسرية والاجتماعية بدور هام في تكريس ثقافة العمل في نفوس النشء؛ بتربيتهم على حب العمل بإتاحة الفرص أمامهم منذ الصغر للمشاركة في أعمال منزلية محدودة، ثم تتدرج بمرور السنوات حتى يتقبل الطفل القيام بأي عمل يرى أنه سيعود عليه بالنفع، ويحقق لأسرته ومجتمعه الفائدة.
ثقافة الابتكار
وكما أن التشجيع على نشر ثقافة العمل واحترام قيمه، أمر يحث عليه ديننا، فإن العاملين في مجال التنمية الاجتماعية يؤكدون أن ثقافة الابتكار والإنتاج هي موهبة مكتسبة تأتي من خلال توفر البيئة المناسبة للنشء لخلق هذه الثقافة، بدايةً من الأسرة، ثم المدرسة التي تقدم مناهج تعتمد على الجانب التطبيقي، وتنظم المسابقات العلمية والفنية، ومختلف الأنشطة الثقافية المحفزة على الإنتاج والإبداع، وقيام المؤسسات الاجتماعية والنوادي بتعليم الشباب ما هو الإبداع، وكيف نستخدمه في حياتنا العملية، وكيف نصقل مواهبهم وننميها في مختلف المجالات.
ونلاحظ للأسف تراجع هذه القيمة الغالية في بعض المجتمعات التي تعرف بمجتمعات الوفرة الاقتصادية؛ حيث ضعفت جهود الدعوة إلى تشجيع ثقافة العمل وتدعيم قيمته؛ بسبب الفهم الخاطئ للأمور المرتبطة بقضايا التنمية بشكل عام، وبميزانية الأسرة بشكل خاص؛ لذلك نلاحظ أن تشكيل ثقافة العمل يختلف من مجتمع إلى آخر، على الرغم من أهميتها في حياة الفرد والمجتمع؛ لأن الإيمان بثقافة العمل والإنتاج هو معيار تقدم الشعوب.
المسؤولية الجماعية
إنَّ أساس شعور الأفراد بالانتماء إلى المجتمع هو العمل والإنتاج؛ فبهما يتشكل لدى مجموع الأفراد الطموح المشترك، ويدفعهم تقاسم الشعور بالمسؤولية الجماعية إلى تحقيق الأهداف المرجوة؛ لذلك تعد ثقافة العمل الإيجابية هي نتاج الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية التي تتبلور في بيئة عمل يسودها الشعور بالمتعة أثناء أداء الواجبات، وتحفّز الناس على بذل مزيد من النشاط بحماس؛ وبذلك يتشكل الحس المؤسسي الذي يولِّد الطاقة على التنظيم التلقائي والتماسك الاجتماعي، فإذا كان الإيمان قوة فإن الفعل مع الإيمان أقوى، وأنه من الجميل أن نحلم، ولكن من الأفضل أن نحلم ونحن نعمل بجد.
مقالات ذات صلة:
التدريب الناجح في المؤسسـات.. كيف يحقق أهدافها؟
المؤسسات الصغيرة وبعث النشاط الاقتصادي
التعليقات مغلقة.