منصة إعلامية عربية متخصصة فاعلة في مجال الاقتصاد بروافده المتعددة؛ بهدف نشر الثقافة الاقتصادية، وتقديم المعلومات والمصادر المعرفية السليمة التي تسهم في نشر الوعي الاقتصادي، ومساعدة أصحاب القرار في اتخاذ القرارات الصائبة التي تقود الاقتصاد نحو تنمية فاعلة ومستدامة.

بورصة أبو ظبي | فوتسي

الأسهم الأمريكية | ناسداك

بورصة أبو ظبي | فوتسي

الأسهم الأمريكية | ناسداك

الرابط المختصر :

اقتصاد جذب الانتباه

 يُعد اقتصاد جذب الانتباه أحد الفروع الحديثة لعلم الاقتصاد، ويعني التعامل مع انتباه الأفراد كسلعة ثمينة ونادرة؛ وهو المفهوم الذي صاغه لأول مرة عام 1971 هربرت ألكسندر سيمون؛عالم الاقتصاد الأمريكي الفائز بجائزة نوبل في الاقتصاد، عندما كتب عن ندرة الانتباه في عالم غني بالمعلومات، وأوضح أن التدفق المفرط للمعلومات ينتج عنه بالضرورة ضعف في الانتباه؛ ما يستدعي ميل المخ إلى تحديد الأهم؛ وبالتالي التركيز على معلومة محددة.

الهيدروجين الأخضر.. ومستقبل الدول العربية
اقتصاد جذب الانتباه

يسعى الاقتصاد إلى تحديث أداوته وآلياته باستمرار؛ لذلك يُعد جذب انتباه الأفراد ومحاولة الاستحواذ على أكبر قدر من عقولهم، والاستحواذ على اهتمامهم من مهام الاقتصاد الحديث؛ لأن الأفراد في الماضي عانوا كثيرًا من ندرة الوصول للمعلومات، بينما الأمر اليوم متاحًا للجميع وفي مختلف المجالات في ظل شبكة الإنترنت.

وتُعرِّف رابطة علم النفس الأمريكية الانتباه بأنه: ” تركيز مصادر الإدراك في البيئة المحيطة على مفاهيم معينة دون غيرها”؛ فالانتباه هو التركيز الذهني على عنصر معين من المعلومات؛ لاستخراج الأكثر أهمية من البيئة،واستبعاد التفاصيل غير ذات الصلة.

اقرأ أيضًا..السعودية الأولى عربيًا في إنتاج الهيدروجين الأخضر
كيف يحدث الانتباه؟

يبدأ الانتباه عندما تنتقل الحواس للفرد مثيرات معينة، سواء من بيئة داخلية أو خارجية وفقًا لوعي الفرد وشعوره بتلك المثيرات فيركز على بعضها ويهمل البعض الآخر؛ حيث تمثل المثيرات التي لا يركز عليها أهمية له وتكون في بؤرة شعوره، أما التي لا يركز عليها فقد تكون بغير ذات الأهمية في تلك اللحظة.

وقد دلت نتائج الأبحاث على أنه كلما كان وعي الفرد بالشيء الذي ينتبه له محددًا وواضحًا، كان الانتباه المبني عليه أكثر تركيزًا.

اقرأ المزيد..تحالف الهيدروجين الأخضر.. ألمانيا تمنح تونس 3 ملايين يورو
أنواع الانتباه:

1- الانتباه القسري: على نحو لا إرادي من الفرد.

2- الانتباه الإرادي: برغبة الفرد المنتبه، ويقتضي منه بذل جهد قد يكون كبيرًا كالانتباه إلى محاضرة للاستفادة منها.

3- الانتباه الاعتيادي: يمارسه الأشخاص في ظروفهم الاعتيادية.

4- الانتباه التلقائي: انتباه الفرد إلى شيء يهتم به؛ كمشاهدة فيلم.

5 – الانتباه التوقعي: يحدث على نحو استباقي عندما يتوقع الشخص حدوث مثير معين؛ كالاستماع لخبر معين.

 

والسؤال الآن: هل يوجدفي الواقع سوق للانتباه؟

والإجابة تتلخص في الشكل التقليدي لنظرية الطلب والعرض في الاقتصاد؛ بمعنى وجود سلعة أو خدمة ومستهلك ومنافسة شرسة على عرض المنتجات في السوق بمعايير هذه الأيام من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت؛ لوجود معلومات وفيرة عن السلع، كما أصبح المعروض من المنتجات كبيرًا،مع محدودية الوقت لدى الأفراد؛ ما يولد الحاجة إلى “الانتباه”، كمحرك رئيس لعملية الجذب والترغيب، كاستراتيجية هامة تحظى باهتمام المستهلكين، دون وعي منهم.

يُعدُ الانتباه أحد الموارد القيمة؛ إذ يستحوذ على أهمية كبيرة في عالم الاقتصاد والسياسة، وخاصةً مجال المال والأعمال والحملات الترويجية والدعايات الانتخابية والأعمال التطوعية وفي عدد كبير من المؤسسات العامة والخاصة.

وظهور اقتصاد جذب الانتباه (Attention Economy، يُلزم بحدوث تغيرات في علم الاقتصاد، فبدلًا من الاقتصاد القائم على وفرة السلع، يبرز الاقتصاد القائم على جذب الانتباه.

ويعتمد اقتصاد جذب الانتباهعلى عدة آليات؛مثل تركيز الشركات الكبيرة على الإعلانات لجذب انتباه المستهلكين؛ من خلال تصميم مواقع إلكترونية تستحوذ بإبداعها على انتباه المستخدم والسيطرة على عقله في ظل سوق يتمتع بالمنافسة والصراع، فكلما روج المنتج لسلعته عبر جذب انتباه المزيد من المتصفحين، صار أكثر نجاحًا ورواجًا في السوق.

 

وليس غريبًا أن نجد ممثلًا أو مطربًا أو لاعبًا يفعل أمرًا غير مألوف لجذب الانتباه لتعويض انحسار الأضواء عنه؛ أملًا في عودته للأضواء مرة أخرى؛ لذا يمكن القول إن ” اقتصاد جذب الانتباه ” يقوم على جذب انتباه الآخرين؛ لتحقيق مكاسب مادية، فيُقاس نجاح الفرد بحجم تأثير أفعاله أو كتاباته أو رسائله؛ لكسب المال أو الشهرة أو النفوذ أوغيرها.

فيسبوك

يُعد تطبيق فيس بوك مثالًا حيًا لاقتصاد جذب الانتباه، فعندما يمسك الفرد هاتفه الذكي ويدخل على فيسبوك فإنه يتعرض لكمٍ هائل من الإعلانات، ولكنه بعد دقائق من ترك الهاتف جانبًا لا يتذكر شيئًا منها؛ لذا يتطلب جذب الانتباه الناجح صناعة محتوى يدفع المستخدم للتفكير في الشراء.

أثرياء العالم

يستخدم إيلون ماسك؛ مؤسس تسلا هذا الاقتصاد بطريقة غير منضبطة؛ إذ يقوم-دون دراسة علمية- بكتابة تغريدات على تويتر بهدف جني الأرباح، بغض النظر عن طبيعة المحتوى؛ لإدراكه أن استمرار الحديث عنه، ولو بشكل سيئ، سيجني منه مالًا في وقت معين.

وكمثال على ما يفعله إيلون ماسك، تخلىملايين المستخدمين عن تطبيق واتساب بسبب مشكلة الخصوصية، متجهين لبرامج أخرى، فيغرد إيلون ماسك ناصحًا الجميع باستخدام تطبيق “سيجنال” كبديل؛ فتحول إليه الملايين الجميع، ويسارع البعض إلى شراء أسهم شركة “سيجنال”؛ لتحدث مفاجأة باكتشاف أنهم اشتروا أسهم شركة متخصصة في الأدوات الطبية تحمل نفس الاسم؛ إذ ليس لتطبيق سيجنال أسهم بالبورصة.

تغريدة أخرى لماسك على تويتر أعلن فيها عن منتج جديد يظهر يوم الثلاثاء 5 مايو في الثامنة مساءً؛ فترتفع أسهم تسلا بنحو 10 دولارات للسهم الواحد؛ ليبلغ السعر 200 دولار، لكن في النهاية كان مجرد تحديث في برنامج تشغيل السيارة.

يعرف ماسك قواعد اللعبة جيدًا؛ ألا وهي “جذب الانتباه”؛ بجعل ملاك أسهم الشركة يتوقعون أرباحًا جديدة في الطريق، تدفعهم إلى الشراء الجنوني بمجرد رؤية تغريدة لماسك على تويتر.

الاستخدام غير الأخلاقي

أصبح اقتصاد جذب الانتباه وسيلة لتحقيق الثراء السريع، فبمجرد تغريدة على تويتر لأمثال ماسك ترفع ثروته وقد تُلحق الأذى بالتجار والشركات الصغيرة أو تدمر شركات كبيرة، فالأمر لم يعد مقتصرًا على جذب انتباه الآخرين فقط، بل قد يصل إلى حد التلاعب بهم، وتطويعهم لاتخاذ قرار الاستثمار.

إننا الآن بصدد قضية أخلاقية في المقام الأول تتطلب إعادة النظر في “اقتصاد جذب الانتباه” من حيث الشكل والمضمون والآليات، والتحقق من مدى مشروعيته؛ إذ يمكنه تدمير حياة الأفراد أو تحويلهم إلى سلع ودمى تتحرك بمجرد نزول تغريدة على تويتر؛ لذا على الفرد التحقق ممايجذب انتباهه، أو بمعنى أدق تركيز الاهتمام على ما ننتبه إليه، فالمنافسة الشرسة في عالم اليوم، وتعدد البدائل والاختيارات نظرًا للتدفق في المعلومات الغزير، كانت السبب في مولد اقتصاد جذب الانتباه.

     د.إسـلام جـمال الـدين شــوقي

        خــبير اقتصادي

عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي

 

 

 

 

 

 

الرابط المختصر :

التعليقات مغلقة.