منصة إعلامية عربية متخصصة فاعلة في مجال الاقتصاد بروافده المتعددة؛ بهدف نشر الثقافة الاقتصادية، وتقديم المعلومات والمصادر المعرفية السليمة التي تسهم في نشر الوعي الاقتصادي، ومساعدة أصحاب القرار في اتخاذ القرارات الصائبة التي تقود الاقتصاد نحو تنمية فاعلة ومستدامة.

بورصة أبو ظبي | فوتسي

الأسهم الأمريكية | ناسداك

بورصة أبو ظبي | فوتسي

الأسهم الأمريكية | ناسداك

الرابط المختصر :

صبحة بغورة تكتب.. عولمة الاستهلاك

بديهي أن يمتد مفهوم العولمة ليشمل معظم مناحي الحياة ويطغى على واقع علاقات الدول في مختلف المجالات؛ لذا من الطبيعي أن يتعرض المصطلح للنقد والتقييم وفق منطق “رابح /خاسر”؛ فهو كالطبيعة المفتوحة للجميع. وليس هناك ما يحول دون رسم أكثر من نسق لتأطير المعنى. ووضع أكثر من مبدأ لجعل انتشار المعلومات مَشَاعًا.

العولمة
العولمة

تعود أصول تطبيق هذا المفهوم إلى مجال الاقتصاد والاتصالات، وتعد الثقافة هي نهايته القصوى. بل غايته المثلى؛ فلا يمكن تصور عولمة الاقتصاد والاجتماع والسياسة والتربية والتعليم إلا بالثقافة؛ فالمقصود منها عولمة تثري هذه المجالات وتغذيها بمختلف ألوان العلوم والمعارف الإنسانية، وتستمد منها- في المقابل- المخرجات الإنسانية العلمية.

ويكمن بينهما الإشهار الذي يؤدي لكشف هذا المعنى وتوضيح المغزى بوصفه نشاطًا يهدف إلى تثبيت أنماط وأساليب اجتماعية معينة.

الرغبة في التملك

لذلك، مهما اختلفت أعراق الشعوب وتباينت أصول الأمم؛ فإن ثمة ما يجمعهم حول الشيء ذاته من ميول. وطموح، ورغبات؛ فالرغبة في التملك حاجة أساسية لدى البشر؛ بمعنى الشراء الذي يتبعه “الاستهلاك” كسلوك أصيل لدى البشر مهما اختلفت مستوياتهم.

وتستدعي الاستجابة لرغبات المستهلكين المتغيرة، العمل وفق الرؤية الكلاسيكية للتوافقات الاقتصادية المؤسسة على مبادئ السوق الحر التي تزيد من الرخاء والرفاهية؛ ما يقلص دور الدولة في النشاط الاقتصادي. ويصبح الأمر رهنًا لآليات عولمة الاستهلاك.

التسويق الدولي

أدى توحيد الرؤى على أساس علماني كوني إلى استقطاب استثمارات كبيرة لتطوير قطاعي الاتصالات والمواصلات؛ بهدف توفير أفضل الظروف لتواصل الأفراد وتنقلاتهم. ووضع أيسر السبل وأسرعها انسيابية لنقل البضائع بين مختلف بقاع العالم؛ ما مكُّن الإعلام العالمي- من خلال أوجه الإشهار المتنوعة وألوان الدعاية المختلفة وفنون الإعلان المرئي والمسموع – من التحكم في نشاط التسويق الدولي.

العولمة
العولمة

عولمة الأنماط الاستهلاكية

ونتيجة لذلك، تشكلت رؤى ثقافية عابرة للأقطار، وبرزت عدة تأثيرات متجاوزة للحدود قفزت على العلاقات التقليدية الثنائية والبينية. مستفيدةً من توفير واحات ثقافية عالمية انتقلت  فيما بينها الأفكار والتقاليع والموضات والسلع؛ فتشكلت منها قيم مستحدثة تخدم الطرف الأقوى فاعلية. وتعولمت الأنماط الاستهلاكية وفق أحكام الطرف الأكثر تحكمًا. خاصة في صناعة الصورة الإعلامية وما تتضمنه من دلالات إعلانية ورسائل إشهارية تجارية، أدت كلها إلى تلاشي الكثير من الاختلافات. وذوبان العديد من الخصوصيات الشعبية؛ فشاع الكثير من التجانس بين الناس في اللباس والأذواق وساد التشابه في أنماط الاستهلاك.

قيم السوق الليبرالية

أكد التسلل الهادئ للتناظر العالمي إلى المجموعات الاقتصادية والاجتماعية. انتصار وانتشار قيم السوق الليبرالية،  وربط نوعية السلعة بقيم الحداثة. وتحوّل طبيعة السلعة من وسيلة إلى غاية يصبح الظفر بها ضروريًا؛ لذلك يتم الإسراع في تأسيس شركات إعلامية عالمية تقدم السلع وتقرب الخدمات بأسلوب فني وجذاب.

كما أنها تعمد إلى وضع المُشاهد تحت وطأة إغراء قوي؛ عن طريق منظومة جديدة من القيم والمعايير لرفع رغبته النفعية. وتحويل النزعة المادية الغرائزية- المجردة من أي محتوى إنساني- إلى حاجة لا مفر منها لمن أراد مواكبة فنون وموضة العصر.

العولمة
العولمة

التقنيات الحديثة

ولا شك في أن مجاراة التقنيات الحديثة أثرت في استقرار المجتمعات المحافِظة؛ فأحدثت حالة من عدم التوازن في الدول النامية التي حاولت المسايرة، رغم تواضع المستوى الثقافي والوعي الاجتماعي وضعف التنمية بها؛ ما أدى إلى ظهور قطاع اقتصادي مشوه يعاني نقصًا في هيكله الإنتاجي. وقصورًا في جهازه الإنتاجي، وسادت المجتمع قيمٌ مضطربة.

تسويق السلع المادية الضرورية

لقد جعلت عولمة الاستهلاك مجال المنافسة في تسويق السلع المادية الضرورية ذات الاستهلاك الواسع والسلع الرمزية ضيقًا للغاية؛ فأصبحت السوق لا تتسع إلا للقوى التي تملك قدرة تقنية عالية. وإعلامًا قادرًا على دمج العالم كله؛ عبر قنوات ووسائل وشبكات اتصالية ومعلوماتية وتقنية متطورة. لها من قوة الفعل وسهولة الانتشار وعمق التأثير. ما يمكن أن تلقيه على واقع الحياة اليومية العادية للشعوب.

القوة الناعمة

إنها أحد أشكال القوة الناعمة SOFT POWER أو السلطة اللامادية المتمثلة في تملك المعرفة والإعلام والفضاء السيبراني والسيطرة عليه. إنتاجًا وتركيبًا وتوزيعًا واحتكارًا؛ ما دعا كثير من الخبراء إلى التحذير من المبالغة في العولمة بصفتها “توليتارية” جديدة لا تعلن عن نفسها؛ لأنها كنظام شمولي يناقض التوجه الليبرالي الذي على أساسه نشأت العولمة.

تنميط الصناعات

وتجنح العولمة غالبًا إلى تنميط كثير من الصناعات؛ مثل: صناعة الملابس، والطعام، والفن. وكذلك الخدمات؛ كالنظافة، والتنقل والاصطياف، والتسوق، بدعوى أنها قيم كونية ينبغي ألا تنعزل عن بعضها.

 الاحتياجات الزائفة

وتعطي العولمة معنًى للأشياء مهما كانت ثانوية؛ ما يستنهض الخطاب الإشهاري؛ بتحويل الكماليات إلى ضروريات. وما هو ثانوي إلى أساسي، ويستفز دينامية الآلة الإشهارية وإغراءاتها؛ وبالتالي يغذي الميل إلى الاقتناء دون وجود ضرورة عقلية؛ وهو ما يطلق عليه “الاحتياجات الزائفة” التي تكتسي ضرورتها من أيديولوجيا استهلاكية موضوعة في قالب معياري. نجمَ عنه تبلور منظومة قيمية استهلاكية تتماشى مع قيم الوهم؛ أي تعمل على إظهار رغبات مصطنعة واحتياجات غير ضرورية لتوهم بأهميتها الاجتماعية؛ فتجذب المستهلكين إليها.

التقاليد والعلامات التجارية

ويستغل الإشهار قوة الطقوس والتقاليد والعلامات التجارية؛ أي “السيمياء”؛ لبناء المعنى؛ تمهيدًا لتوظيفه كدلالة مؤثرة، تظهر نتائجها في إشاعة النمط الاستهلاكي الرأسمالي في مجتمعات غير منتجة أو ضعيفة الإنتاج؛ وبالتالي يسهل تعويد الناس على نمط استهلاكي ساذج. ثم إحداث تأثير سلبي في المستويات الثقافية المتواضعة بمواضيع ذات محتوى ضعيف؛ ما قد يؤدي إلى خفض مستوى الذوق العام، وإثارة النعرات المهنية غير المقبولة اجتماعيًا.

مخاطر عولمة الاستهلاك

ومن أخطر ما ينتج عن عولمة الاستهلاك انزلاق الإشهار في تنافٍ مع الواقع “السوسيو ـ ثقافي” (كل ما ينتمي إلى ثقافة جماعة إنسانية). والذي يتوارى خلف التنوع الإثني والقيمي للمتلقين.

والاستغراق في المسائل الثانوية؛ ما يتولد عنه نشاز ثقافي ورمزي يؤدي إلى فقدان القوة على ضبط الحوادث ونتائجها؛ وهو ما يعبر عنه بالشرود والخمول وفقدان المرجع الرمزي؛ فيعيش المتلقي حالة شتات ثقافي.

صبحة بغورة

 

الرابط المختصر :
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.