ترميز الأصول المالية.. فرصة استثمارية ضخمة أم تحدٍ تنظيمي؟

كشف تقرير حديث صادر عن الرابطة العالمية للأسواق المالية (GFMA) بالتعاون مع مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG) أن تقنية السجلات الموزعة (DLT) تلعب دورًا أساسيًا في تشكيل مستقبل أسواق رأس المال خلال السنوات المقبلة.
ووفقًا للتقرير، من المتوقع أن يصل حجم الأصول غير السائلة المرمزة إلى 16 تريليون دولار بحلول عام 2030. مقارنةً بنحو 0.3 تريليون دولار في الوقت الحالي.
كما تشير التقديرات إلى أن هذه التقنية قادرة على تحقيق وفورات تصل إلى 20 مليار دولار سنويًا من تكاليف المقاصة والتسوية. بالإضافة إلى تقليص التكاليف التشغيلية بمقدار يتراوح بين 15 و20 مليار دولار سنويًا. بفضل الأتمتة المدعومة بالعقود الذكية.
أهمية تقنية السجلات الموزعة
كما توفر تقنية السجلات الموزعة مزايا متعددة، أبرزها:
- تحسين السيولة: من خلال تحويل الأصول غير السائلة إلى أصول قابلة للتداول بسهولة.
- تقليل المخاطر الائتمانية: عبر تمكين عمليات التسوية الفورية بدلاً من إجراءات التسوية التقليدية.
- خفض التكاليف التشغيلية: من خلال الأتمتة باستخدام العقود الذكية، مما يقلل الحاجة إلى الوساطة المالية.
نماذج ناجحة في استخدام التقنية
كما أثبتت بعض التطبيقات الفعلية نجاح تقنية DLT في تحقيق كفاءة عالية، منها:
- منصة HQLAx & R3 Corda: تتيح تتبع ملكية الأوراق المالية دون الحاجة لنقلها فعليًا، مما يقلل من التعرض الائتماني.
- P. Morgan’s Onyx: ساهمت في تحسين السيولة عبر تسوية الودائع والضمانات المرمزة على مدار الساعة. حيث تمت تسوية 500 مليار دولار في معاملات الريبو عبر Onyx DLT في 2022.
- HSBC Orion: نجح بنك HSBC في إصدار سند رقمي بقيمة 50 مليون جنيه إسترليني باستخدام تقنية Security Token، مما خفض التكاليف وحقق تسوية فورية.
- Goldman Sachsوسلطة النقد في هونج كونج: أصدرا سندات خضراء مرمزة بقيمة 800 مليون دولار هونغ كونجي باستخدام تقنية DLT وعملة رقمية للبنك المركزي.
العوائق التي تعوق تبني التقنية على نطاق واسع
رغم هذه النجاحات، يواجه تبني تقنية السجلات الموزعة خمسة تحديات رئيسية:
- الغموض التنظيمي والقانوني
يختلف الإطار القانوني لتنظيم الأصول الرقمية بين الدول، مما يخلق حالة من عدم اليقين ويثني المستثمرين عن تبني التقنية بشكل كامل.
- التجزئة وصعوبة التشغيل البيني
لا تزال منصات البلوكشين تعمل بمعزل عن بعضها، مما يجعل التكامل مع الأنظمة المالية التقليدية صعبًا.
- ضعف السيولة في الأسواق الثانوية
بينما تعاني الأصول الرقمية المرمزة من ضعف حجم التداول، مما يقلل من جاذبيتها للمستثمرين المؤسسيين.
- مخاطر العقود الذكية والأمن السيبراني
كما تواجه العقود الذكية تحديات تشغيلية وأمنية، حيث لا تزال معايير الأمن السيبراني في هذا المجال غير موحدة.
- غياب آليات الدفع القائمة على البلوكشين
بينما لا توجد حتى الآن، آليات دفع رقمية واسعة النطاق تتيح تسوية المعاملات بشكل فوري عبر البلوكشين.
أي القطاعات تقود التحول نحو DLT؟
كما يشهد القطاع المالي أكبر معدل تبني، حيث يمثل 30% من استخدامات البلوكشين عالميًا. وتشمل الاستخدامات الرئيسية:
- الخدمات المالية: تبني واسع في المدفوعات الرقمية، السندات الذكية، وتطبيقات التمويل اللامركزي (DeFi).
- التصنيع والخدمات اللوجستية: استخدام العقود الذكية في تتبع سلاسل التوريد.
- القطاع العام: تبني الحكومات لتقنية البلوكشين في إدارة الهوية الرقمية والضرائب.
- الرعاية الصحية: تعزيز أمن بيانات المرضى وتتبع الأدوية.
الترميز المالي ومستقبل الأسواق
تتصدر أمريكا الشمالية جهود تبني تقنية البلوكشين، بفضل الدعم الحكومي والمبادرات التنظيمية. وفي أوروبا، تتبنى دول مثل سويسرا وألمانيا والمملكة المتحدة الأصول المرمزة بسرعة. بينما تستثمر الصين، الهند، سنغافورة، ودول الخليج بكثافة في التقنية. لا سيما في القطاع المالي وإدارة سلاسل التوريد.
بينما مع التوسع في تطبيقات تقنية السجلات الموزعة، يبدو أن الترميز المالي يغير قواعد اللعبة في الأسواق المالية. لكن حتى يتمكن من تحقيق إمكاناته الكاملة، سيحتاج القطاع إلى مزيد من الوضوح التنظيمي، وتوحيد معايير التشغيل، وتعزيز سيولة الأسواق الثانوية.
التعليقات مغلقة.