الآثار الاقتصادية للعدوان الصهيوني على غزة
لقد أدى العدوان الصهيوني على غزة إلى زيادة حادة في نفقات الاحتلال لتمويل الجيش، وصرف تعويضات لأسر الضحايا والرهائن الذين تحتجزهم حماس، وكذلك الشركات القريبة من الحدود؛ فوفقًا لإحصائيات وزارة المالية الصهيوينة، بلغت التكلفة اليومية للحرب منذ بدايتها 260 مليون دولار، وأنه مع استمرار الحرب سترتفع التكلفة بشكل أكبر، كما سيزيد الضغط على المالية العامة.
قد يعجبك.. اقتصاد العربة “Gig Economy”
وتُفيد التقديرات الكيان الصهيوني بأن الحرب قد تكلف الميزانية أكثر من 200 مليار شيكل (51 مليار دولار)، كما سترتفع تكلفة السندات والقروض في ظل تخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل؛ بسبب تراجع الاقتصاد الذي أحدث عجزًا في الموازنة يقدر بنحو 23 مليار شيكل( 6 مليارات دولار) في أكتوبر الماضي، كما انخفضت الإيرادات بسبب التأجيلات الضريبية بـنحو 15 % على أساس سنوي، وتراجع احتياطي النقد الأجنبي في أكتوبر في البنك المركزي الإسرائيلي بأكثر من 7 مليارات دولار لدعم الشيكل.
ركود كبير
وتشير تقديرات وزارة المالية الصهيونية إلى أن استمرار الحرب لعدة شهور على غزة- دون مشاركة حزب الله اللبناني أو إيران أو اليمن- سيجعل الانتعاش بطيئًا، كما لن يعود الاقتصاد إلى وضعه كما كان قبل الحرب.
وبحلول عام 2024 سيقع الاقتصاد الصهيوني في ركود كبير؛ نتيجة الارتفاع الكبير في الإنفاق على الدفاع والأمن، والذي يُقدَّر بنحو مليار شيكل يوميًا (255 مليون دولار)، مع التراجع في الإيرادات نتيجة خسائر تتراوح بين 40 مليار إلى 60 مليار شيكل أخرى بجانب تعويض الشركات بما يتراوح بين 17 مليار إلى 20 مليار شيكل.
ارتفاع أسعار الكهرباء
ومن المتوقع طبقًا لنفس المؤشرات، أن تبلغ تكلفة إعادة التأهيل من 10 إلى 20 مليار شيكل، بجانب الإعداد لحزمة مساعدات اقتصادية لمواطنيها المتضررين من الحرب، ستكون هي الأكبر مقارنةً بما قدمته خلال جائحة كورونا، خاصةً أن الحرب سيكون لها أثر كبير على المواطنين؛ لتضرر الاقتصاد الصهيوني بشكل كبير، لا سيما في قطاع الطاقة؛ نتيجة إغلاق حقل تمار للغاز، والذي أدى إلى ارتفاع أسعار الكهرباء داخل الأراضي المحتلة.
تاثر الزراعة والسياحة
كذلك، تراجعت صادرات الكيان الصهيوني من الغاز والتداعيات الخارجية المتمثلة في ارتفاع الأسعار، والتعبئة التي أعلنها جيش الاحتلال؛ ما أثر بالسلب على قطاع الزراعة؛ بسحب نحو 12 ألف مزارع للالتحاق بالجيش، كما تأثر قطاع السياحة الذي يمثل نسبة كبيرة في الناتج المحلى الإجمالي؛ إذ يعمل به نسبة كبيرة من القوى العاملة، بالإضافة إلى إلغاء عدد كبير من رحلات الطيران القادمة والمغادرة، كما تأثرت أيضًا صناعة التكنولوجيا التي تواجه أزمة تؤثر بالسلب على الاقتصاد، مع تجنيد عدد كبير من المستوطنين الذين يعملون في مجال التكنولوجيا.
ركود محتوم
عقب الهجوم المفاجئ لحماس على جيش الاحتلال في 7 أكتوبر الماضي، انخفضت أسعار الأسهم والسندات الإسرائيلية مباشرةً؛ حيث أغلقت البورصة على انخفاض بلغ 8 %، وخسرت الأسهم نحو 20 مليار دولار من قيمتها السوقية، كما انخفضت أسهم شركات التكنولوجيا الأمريكية، بما في ذلك الشركات الرائدة التي لها عمليات كبيرة في الأراضي المحتلة؛ مثل إنتل؛ ما يعني أن الأثر الاقتصادي لهذه الحرب كان فوريًا.
ورجح بنك “جي بي مورجان تشيس” الأمريكي انكماش الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 11 % على أساس سنوي في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الجاري، مع تصاعد العدوان على قطاع غزة؛ وبالتالي يمكن توقع تحقق ركود اقتصادي؛ حيث تواجه أجزاء كثيرة من الأراضي المحتلة انخفاضًا في الإنتاجية، وضعف الشيكل، وتأثر سوق الأوراق المالية، وارتفاع معدلات البطالة، وفقدان ثقة المستثمرين في سندات حكومة الاحتلال.
تخفيض التصنيف
هناك تصاعد محتمل لحجم الدين الإسرائيلي، وازدياد تعرضها لمخاطر تخفيض تصنيفها؛ إذ خفضت وكالة ستاندرد آند بورز توقعاتها من مستقرة إلى “سلبية”، في حين أصدرت وكالة موديز للتصنيف الائتماني، تقريرًا وضعتها فيه تحت المراجعة، ترقبًا لاحتمال خفض تصنيفها الائتماني، كما اتخذت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني خطوة مماثلة بوضعها تحت المراقبة؛ ما يعني أن استمرار الحرب سيعقد الأمور أكثر على الكيان الصهيوني.
آثار الحرب على الاقتصاد العالمي
أدت الحرب إلى قلق كبير خوفًا من تفاقمها؛ لما قد تسببه من أضرار على الاقتصاد العالمي، خاصة في حالة توسيع دائرتها، ووقوف المجتمع الدولي دون إصدار قرارات ملزمة بإنهائها؛ ما أدى إلى زيادة سعر برميل البترول بحوالي 20 دولارًا، وزيادة أسعار الغاز بنسبة الثلث، علاوة على أن التأثيرات المترتبة على ارتفاع أسعار الطاقة ستكون كارثية؛ لأنها ستؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم العالمية مرة أخرى، بعد أن كانت قد بدأت تهبط الفترة الماضية، بعد بدء التعافي من آثار جائحة كورونا.
سياسة التشديد النقدي
من ناحية أخرى، مازالت الحرب الروسية الأوكرانية تلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي، ولا سيما في مجالي الحبوب والطاقة؛ كون روسيا أكبر مورد للغاز للقارة الأوروبية، فإذا ارتفعت معدلات التضخم العالمي، عادت سياسة التشديد النقدي مرة أخرى؛ لاحتواء التضخم؛ ما يؤدي إلى الضغط على النمو الاقتصادي، ويؤثر بالتبعية على سلاسل الإمداد العالمية؛ وبالتالي تواصل ارتفاع أسعار المواد الغذائية التي كانت قد ارتفعت بالفعل خلال الفترة الماضية، مع تأثر إيرادات الشركات الكبرى وتكبدها المزيد من الخسائر؛ ما يهدد الاقتصاد العالمي.
ولا شك في أن تأثيرات العدوان على غزة تعتمد على مدى اتساع دائرتها، فإن لم تدخل أطراف أخرى؛ فستبقى التأثيرات محدودة نوعًا ما؛ أما في حالة اتساعها؛ فسترتفع أسعار البترول إلى 150 دولارًا للبرميل وفق توقعات الخبراء، كما ستتأثر اقتصاديات دول الشرق الأوسط بسبب حالة عدم الاستقرار، خاصةً الدول المعتمدة على السياحة، مع إحجام المستثمرين عن الاستثمار فيها.
نأمل أن تنجح الدبلوماسية في إنهاء العدوان الغاشم، وأن يتحمل المجتمع الدولي مسؤوليته لتجنيب الاقتصاد العالمي الآثار السلبية لتلك الحرب.
د.إسلام جمال الدين شوقي
خبير الاقتصاد وأسواق المال
عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي
مقالات ذات صلة:
التعليقات مغلقة.