جاكلين مارس.. مليارديرة تصنع الفارق بعيدًا عن صخب الإعلام
في عالم يلهث خلف الأخبار المثيرة عن المليارديرات، تبرز جاكلين مارس كنموذج مختلف تمامًا. ثروتها الهائلة التي تضعها في مصاف أغنى نساء العالم وفق تصنيفات Forbes وCelebrity Net Worth لم تدفعها للسعي وراء الأضواء أو استعراض نمط حياة فاخر.
بل اختارت مسارًا أكثر هدوءًا وتأثيرًا؛ حيث توظف نفوذها لدعم الثقافة، حماية البيئة، وتشجيع الفنون والرياضة. ما يجعلها شخصية جديرة بالدراسة والتحليل في السياق الاقتصادي والاجتماعي المعاصر.
من متجر حلويات صغير إلى عملاق عالمي
تاريخ عائلة مارس هو قصة مثابرة وابتكار. أسس جدها فرانكلين كليمنس مارس شركة صغيرة للحلويات عام 1911، ومع مرور السنوات تحولت إلى إمبراطورية تمتلك علامات تجارية مشهورة مثل M&M’s وSnickers. وفق تقرير GoodReturns، نشأت جاكلين في بيئة ترى في العمل العائلي مسؤولية قبل أن يكون امتيازًا، وهو ما جعلها لاحقًا حريصة على استمرارية الشركة ككيان مملوك للعائلة بعيدًا عن ضغوط الأسواق المالية العامة.
التعليم.. فهم عميق للإنسان قبل السوق
حصلت جاكلين على بكالوريوس الأنثروبولوجيا من كلية Bryn Mawr عام 1961، وهو تخصص يبدو بعيدًا عن عالم الأعمال لكنه منحها فهمًا عميقًا لسلوك الإنسان والثقافات المتعددة. هذا الفهم ساعدها في تطوير منتجات تتناسب مع أذواق شرائح متنوعة من المستهلكين حول العالم.
وفق تقرير GeniusU، كان لهذه الخلفية أثر ملموس في إستراتيجيات Mars, Inc التي ركزت على الجودة، وتنوع النكهات لتلائم الأسواق الإقليمية.
مسيرة مهنية هادئة لكن مؤثرة
في عام 1982، تولت جاكلين رئاسة مجموعة المنتجات الغذائية بالشركة. هذا المنصب الإستراتيجي مكنها من الإشراف على تطوير منتجات جديدة، وقيادة فرق العمل نحو توسيع خطوط الإنتاج بما يتماشى مع الطلب العالمي على الأغذية الصحية والمتنوعة.
تقارير الأعمال تشير إلى أن فترة قيادتها شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في إيرادات هذا القطاع داخل الشركة. ما أسهم في تعزيز مكانتها كشركة أغذية متكاملة، وليس مجرد صانع شوكولاتة. بعد تقاعدها عام 2001، احتفظت بحصتها الكبيرة التي تمثل حوالي ثلث الشركة. ما يجعل صوتها حاضرًا في القرارات الكبرى حتى اليوم.
الثروة والاستقلالية الاقتصادية
بحسب Forbes، بلغت ثروة جاكلين مارس في عام 2024 نحو 38.5 مليار دولار، فيما يقدرها Celebrity Net Worth بنحو 45 مليار دولار في 2025.
هذه الثروة الهائلة ليست مجرد رصيد مالي، بل تعكس نموذجًا فريدًا في حوكمة الشركات العائلية؛ إذ تظل Mars, Inc واحدة من أكبر الشركات الخاصة في العالم. ما يمنحها مرونة في اتخاذ القرارات بعيدًا عن ضغوط المستثمرين في أسواق الأسهم.
هذه الاستقلالية سمحت للشركة بالاستثمار في الابتكار طويل الأمد. والحفاظ على معايير جودة صارمة، دون التضحية بالقيم العائلية.
فلسفة عطاء طويلة الأمد
تعتبر جاكلين مارس من أبرز الداعمين للمؤسسات الثقافية والتعليمية في الولايات المتحدة. فقد شغلت منصب الرئيس الفخري لمجلس إدارة Washington National Opera، وكانت عنصرًا محوريًا في دعم مؤسسة الأرشيف الوطني الأمريكي.
في عام 2011، منحتها Archives Foundation جائزة التراث تقديرًا لدورها في حفظ الوثائق التاريخية.
كما دعمت مشاريع إنسانية عالمية، مثل تمويل إنشاء ساحة لتمثال “Angels Unawares” في الجامعة الكاثوليكية. الذي يسلط الضوء على تجارب المهاجرين واللاجئين. هذا المشروع يحمل دلالات عميقة في ظل النقاشات المتصاعدة حول الهجرة، ويبرز التزامها بالقيم الإنسانية العالمية.
البيئة والاستدامة
لا يقتصر تأثير “جاكلين” على القطاع الثقافي. بل يمتد ليشمل البيئة والزراعة المستدامة. وفق Celebrity Net Worth، ساهمت بتبرعات سخية للمنظمات البيئية مثل League of Conservation Voters لدعم السياسات الخضراء. كما قامت بحماية مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية في ولاية فرجينيا عبر اتفاقيات دائمة مع Land Trust of Virginia. لضمان بقائها محمية من التطوير العقاري.
هذه الجهود تواكب التحولات العالمية نحو الاستدامة، وتؤكد أن الثروة يمكن أن تكون أداة لحماية البيئة.
شغف متجذر
حبها للفروسية جعلها واحدة من أبرز الداعمين لرياضات الخيل في الولايات المتحدة. وفق USEventing، أدرج اسمها في قاعة الشهرة لدعمها برامج تطوير الفرسان وتمويلها البطولات الدولية. ما أسهم في رفع مستوى مشاركة الفريق الأمريكي في المنافسات العالمية. هذا الدعم يعكس جانبًا آخر من شخصيتها التي ترى في الفروسية رمزًا للقيم التقليدية والانضباط.
لحظة مأساوية شكلت مسارًا جديدًا
في أكتوبر 2013، تعرضت جاكلين لحادث سير مميت في فيرجينيا أدى إلى وفاة شخص وإصابة آخرين. وفق GoodReturns، اعترفت بالقيادة المتهورة، وتحمّلت المسؤولية القانونية. ما أكسبها احترام الرأي العام.
هذه الحادثة كانت نقطة تحول شخصية دفعتها لتعزيز مشاركتها في الأنشطة الخيرية المرتبطة بالسلامة المرورية والإغاثة.
تأثيرها على الاقتصاد الأمريكي
لا يقتصر دور “جاكلين” على كونها وريثة ثرية، بل هي جزء من منظومة اقتصادية تساهم بشكل مباشر في الناتج المحلي الأمريكي. شركة Mars توفر آلاف الوظائف في الولايات المتحدة، وتعتمد على شبكة واسعة من الموردين المحليين. ما يدعم القطاعات الزراعية والصناعية.
إستراتيجياتها في الحفاظ على الشركة كملكية خاصة ساعدت على تجنب المضاربات المالية. وسمحت بتركيز الجهود على الابتكار وتحسين رفاه الموظفين. هذه الاستدامة تمثل درسًا للشركات العائلية في العالم العربي التي تسعى إلى البقاء تنافسية على المدى الطويل.
دروس لرواد الأعمال والمستثمرين
تقدم قصة جاكلين مارس مجموعة من الدروس العملية:
- التركيز على المدى الطويل: الاستثمارات التي تتجاوز اعتبارات الربح السريع تحقق استدامة أكبر.
- الالتزام بالقيم: التمسك بمبادئ الجودة والابتكار يعزز الثقة بالعلامة التجارية.
- التواضع والابتعاد عن الصخب: يمكن تحقيق تأثير عالمي دون الحاجة إلى الظهور الإعلامي المتكرر.
- المسؤولية الاجتماعية: الثروة أداة للتغيير الإيجابي إذا استخدمت لدعم التعليم، البيئة، والثقافة.
إرث أبدي يتجاوز المال
جاكلين مارس ليست مجرد مليارديرة على قائمة أغنى أغنياء العالم. بل رمز لنهج متوازن بين القوة الاقتصادية والمسؤولية الاجتماعية. إرثها لا يقاس بحجم ثروتها فقط، بل بالأثر الذي تتركه في الفنون، التعليم، البيئة، والفروسية.
في عالم يتغير بسرعة، تقدم مثالًا على أن القيادة الصامتة والعمل المؤسسي الرصين يمكن أن يشكلا قوة محركة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.
التعليقات مغلقة.