سامي السويلم: السعودية تعد مركز التمويل الإسلامي الأول في الشرق الأوسط والعالم

يعد قطاع التمويل بطرقه التقليدية إحدى أبرز عقبات الأعمال والمشروعات بسبب عجز نظام التمويل المصرفي المعقد، والذي يفرض مزيدًا من القيود بجانب مخالفته لـ التمويل الإسلامي والشريعة الإسلامية، وأنه قائم على الربا المحرم كأساس للعلاقة التمويلية بين المصرف والمستثمر أو العميل.
ولذلك فإن التمويل الإسلامي يعد أداة أكثر مرونة لدعم ريادة الأعمال في ظل موافقتها للشريعة الإسلامية، وما توفره منصات التمويل الإسلامي من بدائل تساعد على سد فجوة تمويل ريادة الأعمال؛ حيث يوفر التمويل الإسلامي أصول وطرق تمويل تناسب أصحاب المشروعات؛ خاصةً الصغيرة والمتوسطة.
ويساهم التمويل الإسلامي في الوصول لعدد كبير من الممولين، كما يوازن بين فكرة جمع الموارد المالية والاستثمار بها بما لا يخالف التوجهات الإسلامية، إلَّا أن التمويل الإسلامي في حاجة إلى المزيد من التقنين والتنظيم في الشرق الأوسط والدول العربية.
مبادئ التمويل الإسلامي
التمويل الإسلامي كعلاقة بين المؤسسات المالية والمؤسسات والأفراد، هدفها توفير المال للانتفاع والاستثمار عبر العديد من المبادئ والأدوات التي تتسق مع أحكام وضوابط الشريعة الإسلامية التي تتعامل مع المال على أنه في الأصل مال الله، وأن الإنسان مستخلف عليه، ويجب أن يستخدمه في نفع الناس وفق أوامر الله ومقاصده من خلق الإنسان والمال.
ولذلك فإن التمويل الإسلامي كأداة لريادة الأعمال يتسم بعدة مبادئ وخصائص تقوم على المشاركة العادلة للمخاطر بين الطرفين نلخصها في الآتي:
- رفض التعامل بالميسر وبالربا سواء في الأخذ أو العطاء تنفيذًا لأحكام الشريعة.
- استخدام المال في الاستثمار الحقيقي ودعم المشروعات بأنواعها حتى تتحقق التنمية وتتوفر الموارد للجميع.
- العدالة الاجتماعية في تخصيصه للجميع لمواجهة البطالة، بالإضافة إلى ذلك الحد من تركز الثروات في يد فئة واحدة.
- توجيه المال نحو الإنفاق المشروع أو المباح بعيدًا عن أي مفسدة للأفراد أو المجتمع.
- مبدأ استحقاق الربح أو الأجر، أي أن يستحق العامل أو المستثمر أو العميل أو الشريك الربح إذا ظهر ربح نتيجة لعمله أو الأجر إذا استحقه.
- مبدأ استمرار المالك؛ حيث يستحق الشريك حصته من الربح ولو كان شريكًا غير عامل، وذلك لأنه شريك مالك، أي أن نصيب المالك قائم ومستحق في العمل أو المضاربة حتى ولو لم يقم بعمل.
- مبدأ ارتباط الربح بالمخاطرة، أي أن مخاطر المشروعات أو الاستثمار وما ينتج عنها من الربح أو الخسارة يتحملها جميع الأطراف دون أي ضمان لطرف بعينه أو شريك محدد، فالجميع يشارك في الربح أو الخسارة وفق نتائج المخاطرة.
- ارتباط التمويل الإسلامي ماديًا بالاقتصاد، وألَّا يتوقف تقديم التمويل فقط على أساس قدرة المستفيد على السداد، ولكن على دراسة جدوى المشروع أيضًا وتوقعات نجاحه.
- العدالة والشفافية واستناد المعاملات إلى شروط وأحكام واضحة.
- دعم الأصول بمعنى أنه يجب أن يكون للمعاملات المالية صلة مباشرة بالأصول الأساسية.
أدوات التمويل
تتعدد عقود التمويل الإسلامي المتوافقة مع أحكام ومبادئ الشريعة، فمنها المرابحة والمشاركة والإجارة والاستصناع والسلم والقرض والتورق والإيجار التمويلي والمضاربة. بالإضافة إلى ذلك عقود البطاقات الائتمانية.
وتعد المرابحة من أبرز وأكثر أدواته انتشارًا بسبب كونها حل عملي وسريع لشراء السلع المختلفة. وتحقيق مكاسب لأطراف المرابحة الثلاثة، وهم البائع والمشتري والبنك الذي يمول عملية شراء السلعة من البائع ويعود ليبيعها ويضيف مكسبه ومكسب المشتري على السعر الكلي للسلعة.
ويستند عقد المرابحة إلى عنصرين، هما الوعد والبيع بالأجل؛ حيث يعِد العميل بشراء سلعة ما ويكون ملزمًا بهذا الوعد. ويقوم المصرف ببيع السلعة بالأجل للعميل بناء على هذا الوعد، ويشتري البنك السلعة ويبيعها مع مكسب مقسوم بين البنك والمشتري.
ورغم موافقة التمويل الإسلامي كأداة لريادة الأعمال مع الشريعة الإسلامية المبنية على القرآن الكريم والسنَّة. وأنه مبني على أسس قانونية واقتصادية وأخلاقية قوية، ويوفر العديد من البدائل وطرق التمويل وآليات لحل المشكلات. فإنه لا يزال مجهولًا لقطاعات كبيرة من أصحاب الأعمال والمشروعات وحتى الممولين.
أول بنك للتمويل الموافق للشريعة
تأسس أول مصرف متوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية عام ١٩٧٣، خلال مؤتمر لوزراء مالية دول العالم الإسلامي في جدة بالسعودية. وكانت المملكة العربية السعودية أكبر المساهمين في البنك الذي بدأ عمله رسميًا عام ١٩٧٣، بنسبة تقارب 25% من أصول البنك.
وتتركز أصول التمويل الإسلامي في الأكثر من دولة إسلامية، تمتلك منها دول مجلس التعاون الخليجي 45٪ من إجمالي الأصول بحسب إحصاءات عام 2020. كما تمتلك دول جنوب شرق آسيا ٢٤٪ من إجمالي الأصول.
علاوة على ذلك، تسعى توجهات المملكة العربية السعودية اليوم إلى تعضيد الاعتماد على التمويل الإسلامي كأداة مهمة وفاعلة في ريادة الأعمال وخالية من عراقيل التمويل المصرفي أو طرق التمويل التقليدية.
السعودية أكبر سوق لهذا التمويل في العالم
يعيش التمويل الإسلامي كأداة لريادة الأعمال مرحلة نمو في ظل إقبال دول مجلس التعاون الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية على اعتماده كأحد مصادر التمويل الرئيسية. ووفق تقرير لمؤسسة ريفينيتيف الإسلامية للتنمية، فإن أصول التمويل الإسلامي بلغت 3.69 تريليون دولار عام 2024.
وجاءت دول مجلس التعاون الخليجي في المقدمة تليها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ثم جنوب شرق آسيا. وتصدرت المملكة العربية السعودية نسبة التمويل الإسلامي المتوافق مع الشريعة الإسلامية من حجم التمويلات الإسلامية لدول الخليج والعالم تليها البحرين والكويت وماليزيا والإمارات وقطر وبنجلاديش وعمان وتركيا بالإضافة إلى ذلك إندونيسيا. وتجاوزت قيمة عقود التمويل الإسلامية في السعودية حاجز 361 مليار دولار بنهاية سبتمبر عام 2024، حسب بيانات البنك المركزي السعودي.
البنوك السعودية تتبنى عمليات التمويل الموافق للشريعة

تسرع عمليات الاندماج والاستحواذ في المملكة ودول الخليج وتيرة التوجه نحو التمويل الإسلامي. ويواصل بنكا الأهلي التجاري ومجموعة سامبا المالية إنهاء إجراءات الاندماج. ويسعى البنك الأهلي التجاري إلى التحول الكامل من بنك تقليدي إلى مؤسسة متوافقة مع الشريعة.
كما تتنافس بنوك دول الخليج لإصدار صكوك بقيادة المصارف السعودية، ومنها بنك الرياض والبلاد والأهلي التجاري كذلك البنك الإسلامي للتنمية.
السعودية مركز التمويل الإسلامي في الشرق الأوسط والعالم
ويرى الدكتور سامي السويلم، المدير العام للمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بالإنابة. أن المملكة العربية السعودية اليوم تعد مركز التمويل الإسلامي الأول في الشرق الأوسط والعالم بما تمتلكه من قدرات مالية وبشرية وتكنولوجية. تمكنها وفق رؤية المملكة 2030 من تطوير الاعتماد عليه كأداة لدعم ريادة الأعمال وأصحاب المشروعات. وتطوير القطاع المالي والتمويل في دول الخليج والشرق الأوسط وجنوب آسيا.
وأكد “سويلم” بحسب تصريحات للشرق بلومبيرج، أن المملكة تستطيع أن تصل إلى ريادة صناعة الخدمات المالية الإسلامية عالميًا عبر ميزتين تنافسيتين. الأولى أن المملكة وجهة العالم الإسلامي، ويتسنى لها الاستثمار في الأوقاف والإنفاق من ريعها والحصول على دخل دائم.
والثانية حشد موارد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من خلال الصكوك والأسهم والتمويل الجماعي ورأس المال الاستثماري. لا سيما في ظل نجاح المملكة في التحول الرقمي، وتطوير منظومة التقنية المالية. بالإضافة إلى ذلك اللوائح التنظيمية التي دشنها البنك المركزي السعودي.