د.عصام عزت: استراتيجية تطوير الموانئ السعودية طفرة في صناعة النقل البحري

سلط الدكتور عصام عزت البكل؛ مساعد رئيس الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، والمدير الأسبق لمعهد الدراسات التقنية والمهنية بمجمع خدمة الصناعة، الضوء على استراتيجية المملكة لتطوير الموانئ لتصبح أكبر منصة لوجيستية عالمية.
أجرى موقع «الاقتصاد اليوم» هذا الحوار حول ما حققته المملكة تجاه التنمية ودور الموانئ البحرية في جعلها أكبر منصة لوجيستية عالمية بحكم موقعها الجيوسياسي، كممر آمن لثلاث قارات تخدم حركة التجارة العالمية.
إلى نص الحوار..
اقرأ أيضًا.. رئيس الهيئة العامة للموانئ يلتقي محافظ ينبع
الدول العربية لديها فرص نجاح كبيرة في صناعة بناء السفن
كيف بدأت فكرة تأسيس قسم للهندسة البحرية بجامعة الملك عبد العزيز؟ وهل دفعت الطلبة السعوديين إلى هذا المجال؟
بدأت الفكرة عام 1412 ه، لكنها لم تُطبق إلا فى عام 1425 ه- 2005م، على يد الدكتور سالم بن مرزوق الحربي، الذى ترأس قسم الدراسات البحرية بكلية علوم البحار بجامعة الملك عبد العزيز.
ثم كان أول عميد لأول كلية بحرية بالمملكة، وهى كلية الدراسات البحرية التى اتخذت من خليج أبحر بجدة مقرًا لها.
وتوليت تأسيس قسم الهندسة البحرية وتلقيت حينها دعمًا رائعًا من الدكتور أسامة بن صادق طيب؛ مدير الجامعة فى ذلك الوقت.
وكانت انطلاقة القسم ناجحة ومدعومة من قيادات المملكة؛ حيث شُكلت له لجنة تنسيقية عليا، شارك بها ممثلون عن وزارة النقل والمؤسسة العامة للموانئ وحرس الحدود والقوات البحرية، وممثلو الجامعة والقطاع الخاص كشركة أرامكو، وغيرهم.
وكان إقبال الشباب السعودي على القسم رائعًا منذ اليوم الأول؛ حيث تلقوا تدريبهم العملي بورش القوات البحرية.
نواة لصناعة بناء السفن
هل تأسيس هذا القسم يمثل “نواة” لصناعة بناء السفن في السعودية؟ وهل ترى أنها تمتلك مقومات تلك الصناعة؟
لا شك في أنَّ تخريج شباب مؤهل في التخصصات البحرية بشكل عام، يدعم مختلف صناعات النقل Shipping Industry، ومن بينها صناعة بناء السفن.
وأرى أنَّ جميع الدول العربية التي تملك سواحل، سواء على البحر الأحمر أو الأبيض، لديها فرص كبيرة للنجاح فى هذه الصناعات، خاصة صناعة بناء السفن.
ذلك لأننا نمثل أكبر مستهلك فى العالم لبناء السفن، فلمَ لا نصنع ما نستخدمه وتكون أرباحنا لنا، خاصة أننا نملك المقومات؟
على سبيل المثال، تتطلب صناعة بناء السفن موقعًا جغرافيًا، وأرضًا ذا طبيعة مناسبة، ومصادر للطاقة الرخيصة، وعمالة ماهرة رخيصة، وبيئة مناخية مناسبة، وأوضاعًا اقتصادية وسياسية مستقرة، ومستهلكين.
وبما أننا أكبر مستهلك، نملك كل ما سبق، فلماذا لا ننطلق؟!
شهدت صناعة النقل البحري بالمملكة تطورًا كبيرًا مع رؤية 2030 بشهادات دولية، وحققت موانيها البحرية مراكز عالمية، كيف ترى ذلك؟
تمتلك المملكة 13 ميناءً على البحر الأحمر والخليج العربي؛ ما يعطيها “ميزة تنافسية” فى حركة التجارة العالمية.
إذ يمر من خلالها 13 % من حجم هذه التجارة؛ ما زاد من حجم وارداتها إلى 70 % بما يقدر بـ 1.1 مليار طن وزني؛ أي ما يعادل 20 مليون حاوية!
علاوة على تحقيق استراتيجية تطوير الموانئ السعودية “طفرة” كبيرة وتغييرات تتماشى مع التحديات التى تواجهها صناعة النقل البحري في عصر الرقمنة.
ووقعت المملكة للمرة الأولى أكبر عقد تخصيص منفرد عن بعد، بميناء الملك عبد العزيز بالدمام؛ ما يسهم في رفع الطاقة الاستيعابية لمحطات الحاويات بأكثر من 120% لتصل إلى 7.5 مليون حاوية، وباستثمارات تتجاوز 7 مليارات ريال.
بجانب تحقيق عدة إنجازات على الصعيد التشغيلي والتشريعي والتنظيمي.
كذلك حققت موانئ المملكة ارتفاعًا قياسيًا في إجمالي حجم البضائع المناولة خلال الربع الأول من العام 2022، بزيادة نسبتها 7.18 %.
امتلاك المملكة 13 ميناءً يعطيها ميزة تنافسية بحركة التجارة العالمية
أيضًا سجلت ارتفاعًا في أعداد حاويات المسافنة بزيادة 5.91 % وفق هيئة الموانئ السعودية “موانئ”؛ ما يؤكد حجم الإنجازات في البنية التحتية للموانئ، والتطوارات الرقمية باستخدام التقنيات الحديثة لرفع القدرة اللوجيستية، مع تحولها إلى موانئ خضراء وذكية.
مثل ميناء جدة الإسلامي؛ حيث تقوم موانئ دبي العالمية بتطوير محطة الحاويات الجنوبية باستثمارات 3 مليارات ريال.
وما حققته موانئ المملكة من تقدم كبير إقليمي، يظهر في مؤشر اتصال شبكة الملاحة العالمية، ضمن تقرير “الاونكتاد”، واختارت “لويدز لِست” ثلاث موانئ سعودية ضمن أفضل مائة ميناء على مستوى العالم؛ فذلك ما تحقق وفق رؤية 2030.
العرش المفقود
كيف يمكن لمصر استعادة عرشها المفقود في ظل تحديات دولية عاصفة؟
تستطيع مصر أن تقود العالم في هذه الصناعة؛ فأكبر شركة لصناعة السفن بالعالم وهي هيونداى، سعت للتواجد فى السوق المصرية.
لكن المفتاح السحري يكمن في تغيير أسلوب إدارة إنتاج السفن من التقليدي إلى التكنولوجي المعمول به في جميع ترسانات العالم الناجحة منذ الثمانينيات، وحققوا به طفرة في معدلات الإنتاج.
هل الخطوات التى تم اتخاذها وفق استراتيجية تطوير الموانئ المصرية 2030 في الطريق الصحيح؟
الموانئ من أهم قطاعات صناعة النقل البحري؛ إذ تسعى مصر من خلال استراتيجية 2030، إلى تحويل الموانئ إلى ذكية وخضراء، وإنشاء موانئ جديدة، واستثمار القطاع الخاص بها لجذب الخطوط العالمية.
بالإضافة إلى تقديم التسهيلات لجذب مزيد من الاستثمارات، خاصةً أنَّه هناك دول تقوم اقتصادياتها بالكامل على الموانئ؛ مثل سنغافورة.
الأتمتة والرقمنة
كيف ترى صناعة بناء السفن في ظل الأتمتة والرقمنة والموانئ الذكية وقواعد المنظمة البحرية الدولية المتعلقة بالانبعاثات الكربونية وقواعد سى آى آى؟
الروبوتات تحقق نتائج مبهرة في معدلات إنتاج السفن في موانئ السعودية
حقق استخدام الروبوت والطابعات الثلاثية في ظل عصر الرقمنة، نتائج مبهرة في معدلات إنتاج السفن؛ حتى تمكنت ترسانة واحدة من تسليم 4 سفن حاويات في 8 أشهر، مع مراعاة الاشتراطات البيئة التى تؤثر مباشرةً في ربحية هذه السفن.
لذلك، بدأ الملاك في العمل على زيادة عمر السفينة الذي يعتمد على اقتصاديات تشغيلها، بدلًا من البناء الجديد.
كما قلَّ الطلب على البناء الجديد، وبدأت بعض الترسانات فى التوقف عن العمل.
لكنها فترة مؤقتة متوقع بعدها الانطلاق من جديد وبقوة؛ لأن عددًا كبيرًا من السفن سيكون عمره الافتراضى قد انتهى، وسنشهد طلبات بناء كبيرة، أتمنى أن نستعد لها من الآن.
كنت بطلًا سابقًا لمصر في رياضة الشراع، فما سبب اهتمامك بالرياضات البحرية؟
كانت هوايتي منذ الصغر ممارسة رياضة الشراع؛ حتى اخترت تخصص بناء السفن فى الكلية، وتفوقت وحصلت على بطولة الجمهورية.
وكنت عضوًا بالفريق القومي المصري على مدار 15 عامًا، وشاركت فى بطولات دولية، وحققت المركز الثاني على أفريقيا في أول بطولة لطراز الليزر.
وبعد اعتزالي، اهتممت بتنظيم البطولات، والاشتراك في لجان التحكيم في البطولات الدولية، وفي مختلف بطولات الوطن العربي الدولية بالإمارات وقطر والبحرين والمغرب وغيرها.
وقد وفقني الله سبحانه وتعالى، بمساعدة الزميلة سميرة عبد المجيد، في إصدار أول ترجمة عربية لقواعد رياضة الشراع.
كما كونت مدرسة للشراع بنادي اليخت بالإسكندرية، وحقق أبناؤها نتائج مبهرة بمشاركتهم فى بطولتين للعالم، والأوليمبياد، والفوز بالعديد من المراكز الأولى في بطولات العرب وأفريقيا.
ما قصة تأسيس نادٍ للشراع بالمملكة؟ ولماذا لم تكرر التجربة في مصر؟ وهل يمكن أن تتعاون البلدان في هذا المجال؟
مع اهتمامي برياضة الشراع، وخلال عملي بجامعة الملك عبد العزيز، في نهاية عام 2008، طُلب منّا تقديم عرض لمدير الجامعة الدكتور أسامة بن صادق طيب، عن مخططات كل برنامج ورؤيته للمستقبل.
واقترحت عليه إقامة أول نادٍ للرياضات البحرية بالجامعات السعودية لجذب المجتمع لتلك الرياضة، وتنظيم بطولات دولية؛ فتحمس للفكرة وطلب تقديم دراسة شاملة لإنشاء النادي.
وخلال مراحل الدراسة، تقابلت مع الأمير عبد الله بن سعود؛ رئيس مجلس إدارة مجموعة الأحلام للسياحة البحرية؛ إذ كان يمتلك مارينا لليخوت بخليج أبحر، وطلبت منه الدخول كراعٍ، فوافق وقدم دعمًا لم نكن نتخيله؛ بشراء قوارب جديدة للشراع، وتأجير قوارب تجديف من الإمارات.
كما دعمنا بعدد كبير من الجِت سكي، واللنشات السريعة، وكان علينا تعليم أبناء الجامعة كل هذه الرياضات خلال شهر واحد.
وبدعم من الجامعة كنا ندرب الشباب السعودي يوميًا؛ حتى نجحنا في عمل احتفالية كبرى استعرض فيها الشباب السعودي مهاراتهم في الرياضات البحرية، ثم تلا ذلك إنشاء أول اتحاد سعودي للرياضات البحرية.
ونأمل أن يكون هناك تعاون بين جميع الدول العربية.
وقد اقترحت على رئيس الأكاديمية إقامة أول بطولة دولية للأكاديميات والجامعات البحرية العالمية، وأتمنى تحقق ذلك.
التعليقات مغلقة.