الهيدروجين الأخضر.. ومستقبل الدول العربية
تتجه معظم دول العالم نحو ثورة جديدة في مجال الطاقة، بعد سنوات طويلة من الاعتماد على الوقود الأحفوري، بسطوع نجم جديد في مجال الطاقة النظيفة والمتجددة؛ وهو الهيدروجين الأخضر، فكيف تكون الدول العربية سبَّاقة إلى استغلاله، وكيف تكون مركزًا لتصديره؟
اقرأ أيضًا..السعودية الأولى عربيًا في إنتاج الهيدروجين الأخضر
تضخ بعض الدول استثمارات كبيرة في هذه التكنولوجيا، لا سيّما الدول التي يتوافر بها طاقة متجددة قليلة التكلفة؛ مثل أستراليا، التي تسعى إلى تصدير الهيدروجين؛ باستغلال ما لديها من طاقة شمسية وطاقة رياح، علاوة على مشروعات مماثلة في كلٍّ من كوريا الجنوبية، والنرويج، والولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث تُبذل جهود حثيثة في ولاية كاليفورنيا لاستبعاد الحافلات التي تُدار بالوقود الأحفوري بحلول عام 2040.
اقرأ المزيد..تحالف الهيدروجين الأخضر.. ألمانيا تمنح تونس 3 ملايين يورو
وتخطط شيلي لإنتاج الهيدروجين في المناطق القاحلة الواقعة بشمال البلاد، الغنية بالكهرباء المُوَلَّدة باستخدام الطاقة الشمسية، فيما تعتزم الصين إطلاق مليون مركبة تعمل بخلايا وقود الهيدروجين بحلول عام 2030.
ما هو الهيدروجين الأخضر؟
“الهيدروجين الأخضر”هو وقود خالٍ من الكربون، ينتج عبر التحليل الكهربائي للماء إلى عنصريَ الهيدروجين والأكسجين، بواسطة كهرباء تُولَّد من مصادر طاقة متجددة؛ كطاقة الرياح والطاقة الشمسية لفصل جزيئات الأكسجين عن الهيدروجين في الماء، ثم استخدام الهيدروجين الناتج مباشرةً.
ويتوافق الهيدروجين الأخضر مع أهداف حماية البيئة ومكافحة الاحتباس الحراري؛ كونه يعتمد إزالة الكربون وتقليص نسبته في الهواء.
مميزات الهيدروجين الأخضر
وللهيدروجين الأخضر مميزات عديدة، من بينها استخدامه في كلٍ من الحالة السائلة والغازية، وتحويله إلى وقود أو كهرباء، وإنتاجه ونقله في أي مكان، وتخزينه لفترات طويلة؛ إذ يُمكن تخزينه في خطوط أنابيب الغاز الموجودة حاليًا لتزويد المنازل بالطاقة، وخلوه تقريبًا من الانبعاثات، باستخدام الطاقة المتجددة، التي تزداد وفرةً، ولا تتطلب ظروفًا مثالية لتتولد، وذلك بالتحليل الكهربائي للماء.
وتمتد استخداماته لتشمل الطائرات، والسفن، والشاحنات، والصناعات الثقيلة، التي تواجه مشكلات في استغلال طاقة الشمس والرياح، نظرًا للكم الهائل من الطاقة الذي تحتاجه ويتعدى القدرات الحالية لهذه الأنواع.
علاوةً على ذلك، يُمكن تشغيل أي شيء يستخدم الكهرباء بواسطة الهيدروجين الأخضر عند استخدامه مع خلايا الوقود التي لا تحتاج إلى إعادة شحن.
دور هام للدول العربية
وقد أبدت عدة دول عربية؛مثل: السعودية، الإمارات، مصر، عمان، المغرب، اهتمامًا كبيرًا بالاستثمار في مشاريع إنتاج الهيدروجين الأخضر، ولا شك في أن نجاحها في تجسيد مشاريع الإنتاج، سيمكنها من لعب دور هام في السوق العالمي، واقتناص حصة كبيرة من هذه السوق الواعدة، لتضيف فصلًا جديدًا يضاف إلى دورها التاريخي كمصدر عالمي للطاقة المتمثلة في إمدادات النفط والغاز المتدفقة منذ عدة عقود.
ويُعدٌ الهيدروجين من الخيارات التنافسية في مجال الطاقة منزوعة الكربون، خاصة حال تصديره إلى الأسواق ذات السياسات الواضحة في هذا الإطار كالسوق الأوروبية، علاوةً على أن تكلفة إنتاج الهيدروجين نفسها في الدول العربية تعد الأقل عالميًا؛ ما يُعد مرتكزًا جيدًا للبدء في الاستثمار على أساس التصدير إلى الأسواق المحتملة.
محور تصدير عالمي
وهناك العديد من الفرص والمقومات التي تمكن الدول العربية من إنشاء محور تصدير عالمي للهيدروجين؛ لتميزها بموقعها الجغرافي الواقع داخل الحزام الشمسي؛ ما يجعلها من أغنى دول العالم بالطاقة الشمسية، وكذلك طاقة الرياح؛ لوجود مناطق ذات سرعات رياح عالية وثابتة، وتوافر البنية التحتية البرية والبحرية المؤهلة لإقامة هذه الصناعة، والأيدي العاملة الماهرة.
وتتمتع الدول العربية أيضًا بعلاقات تجارية راسخة مع السوق الأوروبية والسوق الآسيوية، كما تمتلك بنية تحتية ضخمة للغاز الطبيعي يمكن استغلالها في الحصول على الهيدروجين، كما أن تكلفة إنتاج الهيدروجين في الدول العربية تعد الأقل عالميًا.
وفي ضوء التطورات العالمية الرامية إلى خلق سوق واعدة للهيدروجين، والتحول إلى مستقبل منخفض الكربون، على الدول العربية إعداد الاستراتيجيات الخاصة بالهيدروجين التي تحدد الأهداف والإطار الزمني، ودوره في استراتيجيات الطاقة الوطنية، وإنشاء مراكز بحوث حول تقنيات إنتاج الهيدروجين وتطبيقاته مثل خلايا الوقود، ودعم التكامل فيما بينها والاستفادة من خبرات تجارب الدول التي سبقتها في هذا المجال.
ويجب على الدول العربية إبرام شراكات استراتيجية مع الأسواق الكبرى للهيدروجين الأخضر، التي ستحتاج إلى استيراده مستقبلًا؛ مثل السوق الأوروبية، واليابان، والصين وكوريا الجنوبية؛ فذلك يجعلها من أوائل الدول اعتمادًا على الهيدروجين، بل وتكون أيضًا مركزًا لتصديره.
د.إســلام جـــمال الــدين شـــوقي
خــبير اقــتصادي مصري
عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي
التعليقات مغلقة.