الأمونيا النظيفة في الدول العربية.. مساعي الاستدامة والتغلب على التحديات

تأتي المساعي الخاصة باستغلال الأمونيا النظيفة أو الخضراء، والاستفادة منها بمثابة رد فعل على التحديات البيئية المتصاعدة، التي يعاني منها كوكب الأرض، بفعل العمليات الصناعية وخلافه، كما أن هذا المسعى يندرج ضمن العمل على تعزيز التنمية المستدامة.
يمكن القول إذًا إن الدافع وراء استخدام الأمونيا النظيفة بيئي واقتصادي في ذات الوقت؛ فالمكاسب البيئية لا تخطئها عين، كما أن المنافع الاقتصادية التي سيتم الحصول عليها من هذا المسعى الجديد أشهر من أن تذكر، وقد نشير إلى بعض منها خلال هذا العرض.
وتندرج هذه الجهود المتعلقة باستخدام الأمونيا الخضراء ضمن خطط واستراتيجيات غالبية دول العالم، لتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050؛ إذ يظهر الهيدروجين -خاصة الأخضر- وقودًا واعدًا منخفض الانبعاثات، وهو ما يلبي الطموحات المناخية.
توجه دولي
وبات سوق الهيدروجين ومن وراءه الأمونيا النظيفة، واحدًا من أهم أسواق الطاقة المستقبلية، التي تسعي العديد من الدول إلى فرض سيطرتها عليها، والاستحواذ على حصة كبرى منها، من خلال ضخّ استثمارات ضخمة في مشروعات الطاقة النظيفة.
وقالت منظمة الأقطار العربية المصدّرة للبترول “أوابك” في تقرير لها: إن التوجه الدولي للاستثمار في مشروعات إنتاج واستخدام الهيدروجين، يتجسد من خلال ارتفاع عدد الدول التي أعدّت خططًا واستراتيجيات وطنية للهيدروجين إلى40 دولة، والقفزة الهائلة في عدد المشروعات والخطط المعلنة لإنتاج ونقل واستخدام الهيدروجين، التي بلغت نحو 522 مشروعًا بنهاية 2021.
على الرغم من أن الأمونيا في حدّ ذاتها ليست جديدة على العالم؛ إذ تُنتَج بكميات كبيرة في جميع أنحاء العالم لاستخدامها في الأسمدة الزراعية، ولكن عملية إنتاجها تعتمد على الغاز الطبيعي أو أنواع الوقود الأحفوري الأخرى في الإنتاج، ما يجعلها تسهم بنحو 1.5% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية.
ولكن انتشار الطاقة الشمسية والهوائية في الآونة الأخيرة، وعدم القدرة على تخزين الكهرباء في الأوقات التي لا يحتاجها الناس، فتح المجال أمام استخدام هذه الطاقة المتجددة، وقت عدم الحاجة إليها بإنتاج الأمونيا الخضراء.
ومن شأن هذه العملية، أن تقلل انبعاثاتها من جهة، وتدعم عملية خفض الانبعاثات الكربونية عالميًا من ناحية أخرى.
وتُقدّر وكالة بلومبرغ نيو إنرجي فاينانس، أن صناعة الأمونيا الخضراء ستحتاج إلى 150 مليار دولار من الدعم بحلول عام 2030، والمزيد من الاستثمارات الشاملة.
ووفقًا لمعظم التقديرات، ستبلغ تكلفة إنتاج الأمونيا الخضراء من مرتين إلى 4 مرات تكلفة نظيرتها التقليدية، ولا تزال بعض التقنيات اللازمة لاعتمادها، مثل محركات احتراق الأمونيا، قيد التجربة.
ومن المتوقع تزايد مصانع الأمونيا في جميع أنحاء العالم، بدءًا من عام 2025، لإنتاج الأمونيا الخضراء بسعر يتراوح بين 650 و850 دولارًا/طن متري، وفقًا لما ذكرته مؤسسة السجل الكوري للشحن (Korean Register of Shipping) في تقرير صادر هذا العام، نقلته منصة ستاندرد آند بورز غلوبال بلاتس.
ويتوقع أن تنخفض التكلفة لتتراوح بين 400 إلى 600 دولار/طن متري بحلول عام 2030، ثم تنخفض مرة أخرى، لتتراوح بين 275 و450 دولارًا/طن متري عام 2040، مع زيادة الاستهلاك، وفقًا للتقرير.
اقرأ أيضًا: خالد المديفر: السعودية عملت لعقودٍ على تسريع قطاع التعدين
الأمونيا النظيفة في الدول العربية
وشهد الربع الرابع من عام 2021، نشاطًا ملحوظًا من جانب الدول العربية في سبيل تعزيز التعاون والشراكة الدولية في سوق الهيدروجين، والسعي نحو تنفيذ مشروعات عملاقة وتوقيع مذكرات تفاهم، منها ما يقوم على إنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء، فيما يقوم بعضها الآخر على التوسع في إنتاج الهيدروجين الأزرق أو مشتقاته، مثل الأمونيا الزرقاء، علاوة على إعلان أول خريطة طريق وطنية للهيدروجين.
ويرصد «الاقتصاد اليوم» جهود بعض الدول العربية في هذا الإطار، وذلك على النحو التالي..
-
السعودية
أعلنت السعودية في العام الماضي، عن مشروع ضخم بقيمة 5 مليارات دولار، لإنتاج 1.2 طن متري من الأمونيا الخضراء سنويًا.
وتشارك شركة إير برودكتس الأميركية، مع أكوا باور ونيوم السعوديتين، ببناء أكبر منشأة في العالم للهيدروجين الأخضر، شمال غرب السعودية، بحلول عام 2025.
ومن المخطط أن يوفر المشروع 4 غيغاواط من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والتي من شأنها توليد الكهرباء بما يكفي لعملية التحليل المائي، ومن ثم إنتاج الهيدروجين الأخضر، وتحويله بعد ذلك إلى أمونيا؛ ليكون أسهل وأكثر أمانًا في الشحن، مع حقيقة أن الطن الواحد من الأمونيا يحتوي على 177 كيلوغرامًا من الهيدروجين.
- الإمارات
أعلنت مدينة خليفة الصناعية، التابعة لموانئ أبوظبي، في وقت سابق، انطلاق أعمال تطوير منشأة صناعية لإنتاج «الأمونيا الخضراء» لتلبية متطلبات الأسواق الإقليمية والدولية.
ويعود المشروع إلى شركة هيليوس للصناعة، وهي شركة مشاريع خاصة مملوكة من قبل القطاع الخاص، والتي تعتزم استثمار أكثر من 3.67 مليار درهم خلال الأعوام المقبلة في تأسيس مصنع لهذا الغرض، يتم تنفيذه على مرحلتين بالتعاون مع عدد من الشركاء المحليين والعالميين.
وتبلغ القدرة الإنتاجية المتوقعة للمنشأة الصناعية، عند استكمالها حوالي 200 ألف طن من الأمونيا الخضراء باستخدام 40 ألف طن من الهيدروجين الأخضر.
وبهذه المناسبة، قال عبد الله الهاملي؛ رئيس قطاع المدن الصناعية والمنطقة الحرة، في تصريحات صحفية: «في إطار دعمها للابتكار والمشاريع المستدامة تفتخر موانئ أبو ظبي باستضافة المنشأة الصناعية الأولى من نوعها في المنطقة لإنتاج الأمونيا الخضراء التابعة لشركة هيليوس للصناعة في مدينة خليفة الصناعية؛ حيث ينسجم هذا الاستثمار مع استراتيجية موانئ أبوظبي التي تدعم الأعمال الصديقة للبيئة خصوصًا، وأن هذه المنشأة سوف تعمل دون توليد أي انبعاثات حرارية ضارة بالبيئة».
وأضاف: «يحظى التوجه نحو تبني التكنولوجيا الخضراء، بإقبال لافت من قبل المؤسسات والشركات في منطقة الخليج العربي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بشكل عام خلال السنوات القليلة الماضية، ويتماشى مشروع شركة هيليوس، الذي يضع سلامة البيئة في المقام الأول مع هذا التوجه. كما أننا ملتزمون بدعم نمو ونجاح أعمال متعاملينا، ونسعى جاهدين لتقديم كل سبل المساعدة للمصنعين، والمبادرات التي ترسخ الاستدامة البيئية في القطاع الصناعي، وتسريع عملية التحول إلى تبني تكنولوجيا الطاقة الخضراء في دولة الإمارات العربية المتحدة».
-
مصر
في شهر أكتوبر 2021، وقعت مصر، خلال شهر أكتوبر 2021، اتفاقية إنتاج الهيدروجين الأخضر بكميات تتراوح بين 50 – 100 ميجاوات، كمادة وسيطة لإنتاج الأمونيا الخضراء، وذلك بين كل من صندوق مصر السيادي، وشركة “سكاتك النرويجية” للطاقة المتجددة، وشركة ” فيرتيجلوب” المملوكة لشركتي “أوراسكوم الهولندية “OCI N.V، و”أدنوك” الإماراتية.
وستتولى شركة “سكاتك” النرويجية، بموجب الاتفاقية، إقامة وتشغيل منشأة لإنتاج الهيدروجين الأخضر بكميات تتراوح بين 50 – 100 ميجاوات؛ حيث سيتم توريدها لـ”الشركة المصرية للصناعات الأساسية EBIC” المملوكة لشركة “فيرتيجلوب”، الرائدة في مجال إنتاج الأمونيا، والتي ستقوم باستخدام الهيدروجين الأخضر كمادة وسيطة تكميلية لإنتاج أكثر من 45 طنًا متريًا من الأمونيا الخضراء سنويًا، بموجب عقد شراء طويل الأجل.
ويجري حالًيا إقامة مشروع لإنتاج الأمونيا الخضراء بعتاقة بالمشاركة مع شركة النصر للأسمدة وشركة بنشمارك؛ وذلك لإنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء؛ مما يؤكد جدارة المسار المصرى نحو الاقتصاد الأخضر.
المغرب
أعلن المغرب عن مشروعين تجريبيين لإنتاج الأمونيا الخضراء؛ إذ يحتلّ الهيدروجين الأخضر مكانة استراتيجية في المملكة.
وتوجد وحدتان بحثيتان لإنتاج الأمونيا الخضراء في ميناء الجرف الأصفر، ومن المقرر إدارة هذين المشروعين التجريبيين من قبل “إنوفيت فور إندستري” (الابتكار للصناعة)، وهي كيان تابع لجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، بعد الوصول إلى درجة معينة من النضج الصناعي.
يدير هذا الكيان -الذي أُنشئ في مايور 2021- مشروعات تجريبية وصلت إلى درجة نضج قريبة من النطاق الصناعي في جميع مجالات اهتمام الجامعة ومجموعة أو سي بي والمغرب وأفريقيا.
يتكون المشروع الأول من بحث وإنتاج تجريبي لما قبل الصناعة، يبلغ 4 أطنان يوميًا من الأمونيا الخضراء، مزوّد بقدرة التحليل الكهربائي، تبلغ 4 ميغاواط.
ويُمكن تشغيل هذا المشروع بالطاقة الكهروضوئية و/أو طاقة الرياح، وسيُجهز بنماذج تُحاكي العديد من ملفات تعريف الإمداد بالطاقة.
ويتم تغذية التحليل الكهربائي لإنتاج ثنائي الهيدروجين وثنائي الأوكسجين.. وبعد ذلك، يُخزن ثنائي الهيدروجين ويُدمج مع ثنائي النيتروجين لإنتاج الأمونيا التي يمكن استخدامها في العمليات اللازمة لإنتاج الأسمدة.
اقرأ أيضًا:
10.538 مليون برميل إنتاج السعودية اليومي من النفط مايو الماضي
6.2 مليارات درهم التصرفات العقارية لإمارة عجمان خلال 6 أشهر
الرقابة المالية تطلق تحذيراً جديداً من مخاطر الانسياق لدعوات التعامل بالعملات الافتراضية
الرقابة المالية: أكثر من 15 ألف عميل للتأمين متناهي الصغر سددوا 800 ألف جنيه أقساط
2 مليار و190 مليون ريال| الاستثمار الجريء في السعودية ينمو بنسبة 244%
التعليقات مغلقة.