منصة إعلامية عربية متخصصة فاعلة في مجال الاقتصاد بروافده المتعددة؛ بهدف نشر الثقافة الاقتصادية، وتقديم المعلومات والمصادر المعرفية السليمة التي تسهم في نشر الوعي الاقتصادي، ومساعدة أصحاب القرار في اتخاذ القرارات الصائبة التي تقود الاقتصاد نحو تنمية فاعلة ومستدامة.

بورصة أبو ظبي | فوتسي

الأسهم الأمريكية | ناسداك

بورصة أبو ظبي | فوتسي

الأسهم الأمريكية | ناسداك

الرابط المختصر :

إمبراطورية الغزو الإعلاني

أصبحت ظاهرة الإعلان في شبكات وبرامج القنوات التلفزيونية والصحافة المكتوبة وشبكة الإنترنت والمواقع الإلكترونية نشاطًا تجاريًا ترويجيًا أساسيًا يملأ الفضاء الاجتماعي الواسع، فيما يطلق عليه “إمبراطورية الغزو الإعلاني”؛ وذلك بفضل التطور الكبير في تقنيات الإعلام والاتصال.

 

قد يعجبك..مشروع رؤى المدينة.. تيسير الاستضافة وتعزيز البعد الديني

 

وقد نجحت الفواصل الإعلامية، والوصلات الإعلانية، والومضات الإشهارية، وانتشار اللوحات الإلكترونية في الميادين والشوارع الرئيسة والفرعية بالعواصم والمدن، في التأثير على شرائح واسعة في مجتمعاتنا، بإقناعها بأن المعروض من السلع والخدمات يلبي بشكل كبير طبيعة الطلب على الاستهلاك، ويتوافق مع الذوق العام، ومع حاجة المستهلكين الحقيقية وليست الافتراضية.

نحن هنا بصدد الحديث عن انقلاب وقع في تطور النظام الرأسمالي؛ فبعد أن كان يؤكد علم الاقتصاد السياسي آلية الإنتاج الرأسمالي بأن نوعية العرض تحدد حجم الطلب؛ أي أن الإنتاج يقوم على أساس الطلب الموجود على الحاجات الضرورية الحقيقية، لم يعد العرض يحدد الطلب، وإنما أصبح الطلب يتحكم في نوعية العرض؛ أي أصبحنا في عالم اقتصادي مغاير يحدد معالمه المستهلكون أنفسهم.

استثارة المستهلك

لذلك لم تعد الأسواق في الأنظمة الرأسمالية تكتفي بتشبع الأسواق التقليدية، وتحرص على توفير فائض إنتاج من السلع والخدمات لتلبية الحاجات المتنامية للمستهلكين فقط، وإنما تتجاوز ذلك بالسعي باستمرار إلى خلق واستحداث حاجات أخرى يجري استثارتها لدى المستهلك؛ عن طريق الرسائل الإعلانية والحملات الإشهارية لإقناع المستهلكين بها؛ ما يعني توجيه الأذواق والاختيارات لاقتناء منتجات قد لا يكون للكثيرين حاجة إليها، ومع ذلك، يقبل عليها المستهلكون؛ فيتم بذلك امتصاص المعروض من منتجات القطاع الصناعي والخدمات.

الزحف الإعلاني الناجح

هذا الأخذ والرد بين قوى السوق: العرض والطلب؛ هو ما حرّك النشاط الإعلاني الذي صار يبدو أن تفعيله يهدف إلى ترجيح كفة إحدى القوتين. وبناء على ذلك، أصبح النشاط الإعلاني في نمو مطرد ليشكل أكثر قطاعات النشاط التجاري نموًا منذ منتصف القرن الماضي؛ إذ يُقدَّر حجم رقم أعمال الشركات والوكالات العاملة في هذا القطاع مئات الملايين من الدولارات، إنه الزحف الإعلاني الناجح؛ لأنه استطاع تعطيل أدوات الرقابة العقلية والتمييز لدى المستهلكين لفرض السلع عليهم، مع صنع تصورات لدى المستهلكين وفق أدمغة الإعلان والإعلام.

أسباب بروز الغزو الإعلاني

يمكن تفسير بروز الغزو الإعلاني في الواقع بالرجوع إلى العوامل التالية:

• إنفاق أموال طائلة لخلق حاجات مستحدثة لدى المستهلكين:

اتجاه المؤسسات الاقتصادية والمجمعات الصناعية الكبرى وشركات الخدمات اللوجستية إلى إنفاق أموال طائلة لخلق حاجات جديدة ومستحدثة لدى المستهلكين؛ باتباع سيناريوهات قائمة على المضايقة الإعلانية؛ بمعنى تحوّل الأسواق إلى ساحة كبيرة للهدم الإبداعي؛ أي طرد منتج لآخر؛ وهذا يحدث بعد تشبّع السوق بحاجات حقيقية قائمة؛ لخلق حاجات أخرى حتى ولو كانت ثانوية.

وعليه تحوّل العالم إلى سوق عالمية ضخمة ضاقت بما اتسعت؛ بفضل التطبيقات المتطورة في تكنولوجيا الإعلام والاتصال؛ حتى أصبح كل منتج يشير تاريخ إنتاجه إلى سنة سابقة يصبح جزءًا منبوذًا من الماضي؛ وعليه أصبحت الشركات تنفق أموالًا طائلة على السلع بشكل أكبر من كلفة إنتاجها؛ وذلك لتطوير منتج قديم، أو ترقية سلعة جديدة لم تلقَ الرواج المأمول.

• توفير الخدمات اللامادية:

لطالما استهدف نشاط الاقتصاد الرأسمالي تلبية الحاجات الاستهلاكية المادية بالمنتجات السلعية؛ أما الاقتصاد الجديد الذي يقوم على توفير الخدمات اللامادية فيستهدف ما يتقبله العقل وتهفو له الروح؛ أي يركز على فنون التسويق والإعلان، كحليفين في الأساليب القائمة على الرموز أكثر من التركيز على الأشياء المادية؛ بمعنى التركيز على تسويق أنماط وصور حياة، أكثر من التركيز على تسويق منتجات وسلع مادية.

• إجادة صياغة الرسائل الإعلانية:

أدى اعتماد الصناعة الإعلانية على أكثر التقنيات تطورًا في مجال استغلال طبيعة معطيات السوق ودراسة سلوك المستهلك ومعرفة كيفية التأثير عليه، إلى إجادة صياغة الرسائل الإعلانية التي يعدها فرق متخصصة في الإعلانات وقراءة وتحليل المعطيات الاجتماعية وإجادة استخدامها والاستفادة منها.

وساعد على تحقيق هذه المهمة التطور الكبير لوسائل الإعلام وتكنولوجيا الاتصال، ونشوء مجتمع المعلومات القائم على شبكات الاتصال والمعلوماتية، وبروز أنماط تلفزيونية متخصصة- كتلفزيون التسوق-، وتنوع تطبيقات شبكة الإنترنت والصحف الإلكترونية والمواقع التجارية والإعلانية ومواقع التواصل الاجتماعي؛ حتى تحوّل الجمهور في حد ذاته إلى سلعة، لتصدق مقولة إن التلفزيون لا يبيع منتجات، وإنما يبيع جمهورًا للمعلنين.

لقد أصبح الجمهور يخضع للدراسات المستفيضة على مستوى لجان متخصصة؛ لمعرفة ميوله الاستهلاكية، وتَلمُّس رغباته، واستباق تقدير مواقفه، واكتشاف أحلامه؛ لتحقيق السبق في استغلالها والمبادرة مبكرًا إلى رسم الاستراتيجيات الإعلانية.

• عولمة تكنولوجيا وسائل الإعلام والاتصال

لقد جعلت عولمة تكنولوجيا وسائل الإعلام والاتصال، كل فرد في المعمورة مشروع زبون مستهدَفًا ومستهلِكًا متوقعًا أو محتملًا للشركات الاقتصادية؛ لذلك تعدت الرسائل الإعلانية حدود الدول؛ حيث صار الإعلان يخاطب الأفراد في مختلف مناطق العالم وبلغاتهم، بل ويداعب مخيلاتهم للولوج إلى صلب اهتماماتهم المحلية؛ وهذا نتاج نجاح الإيمان بالأهمية الاستراتيجية للمعلومات الدقيقة الخاصة بطبيعة سلوك المستهلكين من مختلف الشعوب.

• إضفاء الطابع الدرامي على المادة الإعلانية:

أصبح الاتجاه قائمًا على إضفاء الطابع الدرامي على المادة الإعلانية المقدمة من خلال أحداث في شكل قصص، لكل منها شخصياتها الفاعلة التي تبقى في المخيلة؛ بسبب طبيعتها المتميزة، أو من خلال “لازِمة شفهية” ترددها؛ لتصبح القصص الإعلانية أشبه بالميلودراما القصيرة لجذب اهتمام المشاهد ونيل رضاه، ثم تعاطفه مع مادة الإعلان.

لقد أوجد الاهتمام المتزايد بالإعلانات، بيئة إعلامية جديدة ذات ثقافة ترويجية خاصة، تقوم عليها إدارة خاصة تدير النشاط الإعلاني على مستوى الهيئات والشركات والمؤسسات، تتجه نحو تطوير جهود تطويع التكنولوجيا الرقمية لخدمة العمل الإعلاني؛ حيث تستند هذه الجهود إلى استراتيجية جديدة ذات ثلاثة مرتكزات؛ هي:

1. الاعتماد على الإنترنت كوسيط ترويجي وتسويقي واتصالي مميز، يزيد مساحة الاهتمام بالمضامين، وتعددية السبل التواصلية، والأشكال التفاعلية عبر الإنترنت كآلية للتعريف بتشكيلة المنتجات المعروضة والسلع المسوقة بأثمانها.

2. استغلال تطوير “التلفزيون الهجين” الذي يجمع بين شركاء من القنوات التلفزيونية وشركات الاتصالات؛ لإتاحة برامج إعلانية تلفزيونية مسجلة عبر الإنترنت والتلفزيون الرقمي والأرضي.

3. إن ما تنفقه الشركات الاقتصادية من أموال على الإعلانات تضيفها في الواقع إلى سعر منتجاتها وسلعها؛ إذ تشير بعض التقديرات إلى أن المواطن الأوروبي يدفع- دون أن يعلم- 2000 يورو سنويًا ثمن الإعلانات التي يشاهدها دون أن يستفيد منها شيئا مباشرًا مقابل ما دفعه.

لذلك تنبري كثير من الجمعيات إلى تناول أهمية التوعية بترشيد الاستهلاك، والتأكيد على دور الإعلام في التصدي للغزو الإعلاني؛ حيث ألقى بعضها المسؤولية على غياب ثقافة الاستهلاك السليم على الإعلانات التي تروج لسلع كمالية قد لا تكون هناك حاجة ماسة إليها، ولكن إغراء الإعلان يثير الرغبة في شرائها كما لو كانت ضرورية.

 

صبحة بغورة

مقال رأي

 

مقالات ذات صلة:

صبحة بغورة تكتب التنمية الاحتوائية

الرابط المختصر :

التعليقات مغلقة.